*ذ.عبد السلام بوعسل
تعد تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج واستثماراتهم الخارجية من أهم الموارد المالية التي تدعم الاقتصاد الوطني، حيث يشير الواقع الاقتصادي المغربي إلى أن هذه التحويلات تحتل مرتبة متقدمة ضمن مصادر العملة الصعبة، وتساهم بصفة مباشرة في دعم ميزان الأداءات وتمويل الاستهلاك الداخلي، بل وتفوق أحيانا عائدات قطاعات حيوية كالفسفاط والسياحة، كما أنها تمثل قناة رئيسية لتمويل المشاريع الاستثمارية الصغيرة والمتوسطة، وتساهم في خلق فرص الشغل وتحريك عجلة التنمية المحلية، من هنا، فإن استثمارات الجالية المغربية بالخارج وتحويلاتها المالية لا تقتصر على بعدها الاجتماعي في مساعدة الأسر، بل تتجاوز ذلك لتشكل رافعة استراتيجية للاقتصاد الوطني، خصوصا في ظل الظرفية الدولية المتقلبة وتزايد الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل.
غير أن هذا الدور المحوري يواجه عدة إكراهات قانونية وتنظيمية، فمن جهة أولى يعتبر حق الأفراد في التصرف في أموالهم بحرية أحد الحقوق الاقتصادية الأساسية التي يحميها الدستور والمواثيق الدولية المصادق عليها من قبل المغرب، كما يفترض أن يشكل الاستثمار وتحويل الأموال امتدادا طبيعيا لهذه الحرية.
ومن جهة ثانية، نجد أن الدولة تضع قيودا صارمة على أنظمة الصرف والتحويلات المالية، مبررة ذلك بضرورات حماية العملة الوطنية، والحفاظ على التوازنات المالية، والتصدي لجرائم تبييض الأموال وتمويل الإرهاب وتهريب الرساميل، هذا التضارب بين الحرية الفردية في إدارة الأموال وبين مقتضيات النظام العام الاقتصادي يطرح تحديا قانونيا حقيقيا أمام المشرّع والسلطات التنظيمية.
ويزداد هذا التحدي حدة مع التحولات التكنولوجية والمالية التي يعرفها العالم، حيث ظهرت أدوات جديدة مثل التكنولوجيا المالية (FinTech)، ووسائل الدفع الرقمية، والعملات المشفرة، وهي وسائل تتجاوز أحيانا قدرات الرقابة التقليدية وتضع المنظومات القانونية أمام إكراهات غير مسبوقة، الأمر الذي يجعل السؤال عن مدى قدرة النظام القانوني المغربي على التكيف مع هذه التحولات أكثر إلحاحا، خاصة إذا كان الهدف هو استقطاب أموال واستثمارات المغاربة بالخارج بدل دفعهم إلى إبقائها في الأسواق الدولية.
وانطلاقا من هذه المعطيات، يطرح المقال الإشكالية المحورية التالية: “إلى أي حد تنجح المنظومة القانونية المغربية في تحقيق التوازن بين الرقابة على تحويل الأموال وحماية الاقتصاد الوطني، وبين تشجيع إدماج استثمارات المغاربة بالخارج في الدورة الاقتصادية الداخلية؟”
وهي إشكالية تتفرع عنها عدة تساؤلات فرعية من قبيل: ما هي أهم القواعد القانونية والتنظيمية التي تؤطر تحويل الأموال بالمغرب؟ وهل تساهم هذه القواعد في تشجيع استثمارات المغاربة بالخارج أم أنها تُشكل عائقًا أمام إدخال أموالهم؟ وكيف يمكن للمغرب أن يستفيد من التجارب المقارنة من أجل صياغة سياسة قانونية ومالية أكثر جاذبية؟
بهذا التقديم، تتضح ملامح المقال الذي سيعالج الإطار القانوني والتنظيمي لتحويل الأموال (المبحث الأول)، ثم الإشكالات العملية والحلول الممكنة (المبحث الثاني)، وذلك في محاولة لبلورة قراءة نقدية للإطار القانوني الحالي واقتراح مسالك إصلاحية تراعي خصوصيات الاقتصاد الوطني ومصالح الجالية المغربية في آن واحد.
فبنك المغرب، وهو البنك المركزي المغربي، يعتبر الهيئة المسؤولة عن تنظيم ومراقبة النظام المالي الوطني، بما في ذلك عمليات الصرف والتحويلات المالية، ويستند دوره إلى مجموعة من القوانين والقرارات التنظيمية التي تهدف إلى ضمان استقرار النظام المالي وحماية الاقتصاد الوطني.
منذ العام 1996، تم تحرير سوق الصرف تدريجيا، مما سمح للبنوك التجارية بتنفيذ عمليات الصرف مباشرة مع عملائها، ومع ذلك، لا تزال هناك بعض القيود على العمليات الرأسمالية، مثل تحويلات رأس المال، التي تتطلب موافقة من مكتب الصرف، وتدار هذه العمليات استنادا إلى مجموعة من القرارات التنظيمية التي تهدف إلى تحقيق توازن بين الانفتاح على الأسواق المالية العالمية وحماية الاقتصاد الوطني من المخاطر المحتملة.
في يناير 2018، بدأ المغرب في تنفيذ إصلاح تدريجي لنظام الصرف، حيث تم توسيع نطاق تقلبات الدرهم مقابل سعر مرجعي محدد من قبل بنك المغرب استنادا إلى سلة من العملات تتكون من اليورو والدولار الأمريكي، تهدف هذه الإصلاحات إلى تعزيز مرونة الدرهم وتحسين قدرة الاقتصاد على التكيف مع التغيرات في الأسواق العالمية.
كما يضطلع بنك المغرب بمهمة أساسية في تعزيز نزاهة النظام المالي، من خلال إشرافه على مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، باعتباره السلطة المشرفة على المؤسسات الائتمانية، وقد جاء في القانون رقم 43.05المتعلق بمكافحة غسل الأموال أن بنك المغرب يعتبر سلطة إشرافية في هذا المجال، ملزما بضمان الامتثال للمعايير الوطنية والدولية.
ورغم هذه الإصلاحات، يظل النظام المالي المغربي أمام تحديات جوهرية، أبرزها تعزيز الشفافية، توسيع نطاق الشمول المالي، ومواكبة التطورات التكنولوجية في ميدان المدفوعات الرقمية، ولهذا الغرض يعمل بنك المغرب على صياغة استراتيجيات وسياسات جديدة، حيث جاء في رؤيته الاستراتيجية الأخيرة أننا نطمح إلى جعل النظام المالي المغربي أكثر شمولا وحداثة، ومؤهلا للتموقع كمركز مالي إقليمي.
وتعد مسألة حماية العملة الوطنية إحدى أولويات السياسة الاقتصادية والمالية للدول، خاصة في الأنظمة ذات الاقتصاد النامي أو تلك التي تواجه ضغوطا خارجية ناجمة عن تقلبات الأسواق المالية العالمية، وفي هذا السياق، عمد المشرع المغربي إلى فرض مجموعة من القيود القانونية والتنظيمية على عمليات تحويل الأموال إلى الخارج، وذلك بهدف الحفاظ على التوازن النقدي والمالي وضمان استقرار قيمة الدرهم في مواجهة العملات الأجنبية.
فالتحويلات غير المقننة قد تؤدي إلى نزيف العملة الصعبة وإضعاف احتياطات بنك المغرب من النقد الأجنبي، وهو ما يهدد قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها الدولية ويؤثر سلبا على ميزان المدفوعات، لذلك وضعت التشريعات المنظمة للصرف، ولا سيما الظهير الشريف بمثابة قانون رقم 1.59.233 بتاريخ 29 أكتوبر 1959 المتعلق بمراقبة الصرف، قواعد صارمة تقتضي أن تمرّ جميع التحويلات المالية عبر القنوات الرسمية الخاضعة لمراقبة بنك المغرب.
ويلاحظ أن هذه القيود ليست مطلقة، وإنما تراعي اعتبارات عدة، إذ تسمح بتحويل الأموال المرتبطة بالمعاملات التجارية كاستيراد وتصدير السلع والخدماتك، أو تلك المتعلقة بالاستثمارات المرخصة قانونا، بالمقابل تفرض قيودا على التحويلات ذات الطابع المضاربي أو غير المبرر اقتصاديا، بما ينسجم مع الغاية الأساسية وهي حماية العملة الوطنية من أي تلاعب أو نزيف غير مشروع.
كما أن فرض هذه القيود يجد سنده في مبادئ الاقتصاد الكلي، حيث يعتبر بعض الفقه أن حرية حركة رؤوس الأموال قد تزعزع الاستقرار النقدي إذا لم تكن مرافقة بضوابط تنظيمية فعّالة، وهو ما يفسر تبني المغرب سياسة متوازنة تقوم على تحرير تدريجي لعمليات الصرف، مع الإبقاء على بعض الضوابط لحماية السيادة المالية.
ويؤكد بنك المغرب في تقاريره السنوية أن التحكم في التحويلات المالية يظل من الأدوات الأساسية لضبط السيولة بالعملة الأجنبية، حيث جاء في أحد تقاريره أن مراقبة عمليات الصرف تمثل آلية لضمان الاستقرار النقدي ودعم قدرة الاقتصاد الوطني على مواجهة الصدمات الخارجية.
وتولي الدولة المغربية اهتماما متزايدا باستثمارات المغاربة المقيمين بالخارج، نظرًا لدورها الفاعل في دعم الاقتصاد الوطني وتعزيز التدفقات المالية نحو الداخل، وتعكس السياسة المالية والجبائية المتبعة رغبة الدولة في تشجيع هذه الاستثمارات، من خلال وضع إطار قانوني وجبائي يوازن بين جذب رؤوس الأموال وحماية النظام المالي، مع ضمان الشفافية ومراقبة مصدر التحويلات، وتهدف هذه السياسة إلى تحقيق الاستفادة المثلى من موارد الجالية، وتحفيزها على الاستثمار في مشاريع إنتاجية وتنموية داخل المغرب.
كما أنه تعتبر المقتضيات الجبائية المرتبطة بالتحويلات المالية أحد أهم الآليات التي تعتمدها الدولة لضبط تدفق رؤوس الأموال ومراقبة مصادرها، وذلك حفاظا على التوازنات الاقتصادية والمالية، فالتحويلات، سواء تعلّق الأمر بالتحويلات الصادرة نحو الخارج أو الواردة إلى الداخل، تخضع لمراقبة دقيقة من طرف الإدارة الجبائية والسلطات النقدية على حد سواء، بغية ضمان احترام القواعد القانونية وحماية النظام الجبائي من أي محاولة تهريب أو تبييض للأموال.
وقد نصت المدوّنة العامة للضرائب على مجموعة من الالتزامات التي يتحملها الأشخاص الذاتيون والمعنويون عند إجراء تحويلات مالية، منها ضرورة التصريح بالمداخيل المحولة وبيان مصدرها، وكذا أداء المستحقات الضريبية المترتبة عنها، فالمقتضيات الجبائية تشكّل إحدى الأدوات الوقائية للدولة في مواجهة المخاطر المرتبطة بالتحويلات، لاسيما تلك الصادرة عن أشخاص غير مقيمين أو مرتبطة بأنشطة اقتصادية غير مهيكلة.
وتبرز أهمية هذه المقتضيات بشكل خاص في مجال التحويلات الواردة من الجالية المغربية المقيمة بالخارج، والتي تعتبر موردا رئيسيا من موارد العملة الصعبة، إذ تخضع هذه التحويلات لقواعد جبائية مرنة تشجيعية، من أجل تحفيز المغاربة المقيمين بالخارج على تحويل أموالهم نحو وطنهم الأم، وذلك عبر إعفائهم من بعض الرسوم أو منحهم تحفيزات ضريبية للاستثمار في المغرب.
غير أنّ الأمر يختلف بالنسبة للتحويلات الصادرة نحو الخارج، إذ غالبًا ما تُحاط بقيود وإجراءات صارمة، ليس فقط من زاوية مراقبة الصرف ولكن أيضا من خلال المقتضيات الجبائية، التي تفرض على الشركات والأشخاص إثبات أن هذه التحويلات ناتجة عن أرباح أو مداخيل خضعت أصلا للضريبة داخل التراب الوطني، وهو ما يتماشى مع توصيات الهيئات الدولية، مثل مجموعة العمل المالي(GAFI)، التي تدعو إلى إحكام الرقابة على التدفقات المالية عبر الحدود لمحاربة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب.
ويلاحظ أن السياسة الجبائية المغربية في هذا الإطار تسعى إلى تحقيق نوع من التوازن، فمن جهة، حماية النظام المالي والاقتصادي الوطني من مخاطر التلاعب والتهرب، ومن جهة أخرى، تشجيع التدفقات الإيجابية، خصوصا تحويلات الجالية والاستثمارات الأجنبية، عبر إجراءات تحفيزية وتبسيط المساطر، وهذا ما يجعل المقتضيات الجبائية المتعلقة بالتحويلات جزءا لا يتجزأ من السياسة العامة للدولة في مجال المالية العمومية وحماية العملة الوطنية.
والإجراءات التحفيزية التي وضعتها الدولة المغربية تعتبر جزءا أساسيا من استراتيجيتها المالية والنقدية، بهدف تشجيع تحويل الأموال نحو التراب الوطني وتعزيز الاستثمارات، سواء من طرف المغاربة المقيمين بالخارج أو المستثمرين الأجانب، وتقوم هذه الإجراءات على دمج التسهيلات الجبائية مع الحوافز القانونية والإدارية، بما يضمن تشجيع الاستثمار وفي نفس الوقت يحقق الرقابة القانونية والجبائية على التدفقات المالية.
وأحد أبرز أشكال هذه التحفيزات هو منح إعفاءات ضريبية جزئية أو كلية على المبالغ المحوّلة من الخارج، خصوصا إذا كانت موجهة للاستثمار في مشاريع إنتاجية أو عقارية، فقد نصّت المادة 247 من المدونة العامة للضرائب على إعفاء التحويلات المخصصة للاستثمار في المقاولات الصغيرة والمتوسطة من الضريبة على الدخل أو الضريبة على الشركات عند استيفاء الشروط القانونية،وتهدف هذه الإجراءات إلى تشجيع الجالية المغربية على المساهمة في التنمية الاقتصادية المحلية، مع ضمان أن الأموال المودعة تعود بالنفع على الاقتصاد الوطني، وهذه الإجراءات تستند إلى فلسفة مزدوجة، تجمع بين تشجيع التدفقات المالية نحو الاستثمار وضمان خضوعها للرقابة القانونية والجبائية.
وتعمل السلطات المغربية، عبر بنك المغرب والبنوك العمومية والخاصة، على تبسيط المساطر البنكية المتعلقة بالتحويلات المالية، بما يقلص العقبات أمام المستثمرين، حيث تشمل هذه التسهيلات فتح حسابات استثمارية خاصة بالجالية، وتخفيض الرسوم البنكية، وتسريع معاملات التحويل، وتسهيل الإجراءات المصرفية يعكس المقاربة الوقائية للدولة، حيث تتحقق الرقابة دون تثبيط روح الاستثمار.
إلى جانب التسهيلات الجبائية والبنكية، توفر الدولة المغربية حوافز قانونية لتعزيز الاستثمار، مثل الإعفاء من الرسوم على تأسيس المقاولات الجديدة الممولة من تحويلات المغاربة بالخارج، وتبسيط إجراءات التسجيل العقاري، وضمان الدعم القانوني لإنشاء المشاريع الاستثمارية، فهذه الحوافز تضمن أن تكون الأموال المحوّلة موجهة بشكل مباشر إلى مشاريع منتجة، مما يحقق التنمية الاقتصادية ويحفز المستثمرين على تحويل المزيد من الأموال نحو الوطن.
وعلى الرغم من فعالية هذه التدابير، تشير الدراسات إلى أن مدى نجاحها يتأثر بعدة عوامل، بدءا بالثقة في النظام المالي والقانوني، إذ يميل المستثمرون إلى تحويل أموالهم إلى دول أكثر استقرارا إذا شعروا بعدم وضوح الإجراءات أو بطء إنجاز المعاملات، ثم إن نجاح هذه الحوافز يتوقف على التوافق بين الإجراءات البنكية والجَباية، إذ أن التعقيدات في المطابقة بين الإعفاءات الضريبية والشروط البنكية قد تحدّ من تأثير هذه الإجراءات، وأيضا يعتمد أثر هذه الحوافز على وعي المستثمرين بوجودها وقدرتهم على استيفاء شروطها، إذ يواجه بعضهم صعوبة في الاستفادة من المزايا القانونية أو الجبائية.
وبناء على ذلك، يمكن القول إن الإجراءات التحفيزية المعلنة تساهم في تشجيع تحويل الأموال نحو الاستثمار المحلي، لكنها تحتاج إلى تنسيق أكبر بين الجوانب القانونية والجبائية والمصرفية لضمان أثر ملموس ومستدام على الاقتصاد الوطني.
كما تواجه عملية إدخال الأموال إلى المغرب عدة عراقيل وتحديات إدارية وقانونية ومالية تؤثر على فعالية التحويلات واستقرار النظام الاقتصادي.
فالمساطر البنكية والإدارية تعد من أبرز العوائق التي تواجه المغاربة المقيمين بالخارج عند محاولتهم تحويل الأموال إلى وطنهم أو استثمارها في مشاريع داخلية، وتتجلى هذه الصعوبات في تعقيد الإجراءات، وطول مدة المعالجة، وارتفاع التكاليف المرتبطة بالتحويلات، مما يثني العديد من الأفراد عن اتخاذ خطوات استثمارية فعالة.
وتشير التقارير إلى أن البنوك المغربية تفتقر إلى منتجات وخدمات مخصصة للجالية المغربية المقيمة بالخارج، مما يعقد عملية تحويل الأموال واستثمارها، بالإضافة إلى ذلك تعتبر الإجراءات البنكية معقدة وبطيئة، مما يزيد من التحديات التي يواجهها المغتربون عند محاولة تحويل الأموال أو استثمارها في مشاريع داخلية.
وتشكل البيروقراطية الإدارية عائقا آخر أمام المغاربة المقيمين بالخارج، حيث يواجهون بصعوبة الحصول على المعلومات اللازمة أو التعامل مع الإجراءات الإدارية المعقدة، تسهم هذه البيروقراطية في إبطاء عملية تحويل الأموال واستثمارها، مما يقلل من فعالية الجهود المبذولة لتعزيز التنمية الاقتصادية من خلال استثمارات الجالية.
ويشير الخبراء إلى أن المغرب يفتقر إلى بنك مشاريع موجه خصيصًا لمغاربة العالم، يقدم رؤية شاملة ومنظمة حول الفرص الاستثمارية المتاحة في مختلف القطاعات والمناطق، وغياب هذه الأداة يشكل عائقا كبيرا أمام الجالية المغربية التي تبحث عن استثمارات تحقق لها عوائد مجزية وتسهم في تنمية الوطن.
وعلى الرغم من التحولات التي شهدها المغرب في مجال الرقمنة، إلا أن البنية الرقمية الموجهة خصيصا لمغاربة العالم ما زالت محدودة وغير كافية لتلبية احتياجاتهم الخاصة، ومعظم المنصات الإلكترونية المتوفرة لا توفر حلولا شاملة تتيح للمستثمرين المغاربة بالخارج إمكانية مباشرة إجراءاتهم الإدارية أو متابعة مشاريعهم عن بعد.
وخلاصة القول إن الدولة المغربية تسعى إلى تشجيع تحويل الأموال واستثمارات المغاربة المقيمين بالخارج من خلال سياسات مالية وجبائية محفزة، تشمل إعفاءات ضريبية وتسهيلات قانونية وبنكية، وتهدف هذه الإجراءات إلى توجيه الأموال نحو مشاريع إنتاجية وعقارية تدعم التنمية الاقتصادية المحلية، ومع ذلك تواجه الجالية عدة عراقيل أبرزها صعوبة المساطر البنكية والإدارية، بما في ذلك طول الإجراءات والتعقيد وغياب منصات رقمية مخصصة، كما تتأثر فعالية التحفيزات بعدم وضوح التشريعات وصعوبة التنسيق بين الجهات البنكية والجبائية، لذلك يبقى تحسين التنسيق وتبسيط الإجراءات ضروريا لتعظيم أثر الاستثمارات الخارجية على الاقتصاد الوطني.
ويعد غياب الثقة في المنظومة الداخلية أحد أبرز التحديات التي تواجه المغاربة المقيمين بالخارج عند تحويل الأموال أو الاستثمار داخل المغرب. فالثقة تعد عنصرًا جوهريًا لضمان مشاركة فعّالة للجالية في الاقتصاد الوطني، سواء عبر التحويلات المالية المباشرة أو الاستثمار في المشاريع الإنتاجية والعقارية.
فالفقه يشير إلى أن ضعف الثقة يرتبط أساسا بعدم وضوح بعض القوانين واللوائح المالية، وتعقيد الإجراءات البنكية والإدارية، بالإضافة إلى ضعف التواصل بين المؤسسات العمومية والمستثمرين، كما تؤثر حالات التأخر في معالجة التحويلات أو رفض الطلبات البنكية على شعور المستثمرين بعدم الأمان القانوني والمالي، مما يحدّ من رغبتهم في تحويل أموالهم أو توظيفها في مشاريع وطنية.
وتشير الدراسات إلى أن انخفاض الثقة يؤدي إلى تحويل الأموال نحو الأسواق الأجنبية أو الاستثمار خارج المغرب، وهو ما يمثل خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني، وقد أكدت وزارة الاقتصاد والمالية المغربية في تقريرها لعام 2024 أن جزءا من تحويلات الجالية يتم توجيهه إلى استثمارات خارجية بدلا من المساهمة في المشاريع الوطنية، بسبب شعور المستثمرين بعدم اليقين القانوني والشفافية.
ولتحسين الثقة في المنظومة الداخلية، يقترح الخبراء عدة حلول، من أبرزها تبسيط المساطر البنكية والإدارية وتحسين الرقمنة لتسهيل متابعة التحويلات والاستثمارات عن بُعد، وتعزيز الشفافية القانونية والجبائية عبر نشر المعلومات والإرشادات حول حقوق المستثمرين والتزاماتهم، وتوفير آليات رقابية واضحة وفعالة لضمان حماية أموال الجالية ومشاريعهم الاستثمارية.
وقدشهدت السنوات الأخيرة تحولا نوعا في طرق تحويل الأموال واستثمارها، بفضل التطورات التكنولوجية المتسارعة، ولا سيما التحويلات الرقمية واستخدام العملات المشفرة، فهذه التحولات أوجدت فرصا جديدة للمغاربة المقيمين بالخارج، لكنها في الوقت نفسه طرحت تحديات كبيرة للرقابة المالية والجبائية.
وأصبح من الممكن للمغاربة المقيمين بالخارج تحويل الأموال بسرعة وكفاءة عبر المنصات الرقمية والخدمات المصرفية الإلكترونية، وتوفر هذه التحويلات مزايا عديدة، منها تقليل التكاليف البنكية، تسريع عمليات التحويل، وإتاحة تتبع مباشر للحركة المالية.
ومع ذلك، تؤكد الدراسات أن الاعتماد الكبير على التحويلات الرقمية يتطلب تعزيز البنية التحتية الرقمية للبنوك المغربية لضمان الشفافية والأمان في العمليات، وكذلك تطوير نظم مكافحة الاحتيال المالي.
ثم إن استخدام العملات المشفرة أصبح خيارا شائعا بين بعض المغاربة بالخارج للتحويل والاستثمار، هذه العملات تمنح المستثمرين حرية كبيرة في التحويلات وسرعة عالية دون الاعتماد الكامل على البنوك التقليدية، إلا أن هذه الحرية تأتي مع مخاطر جسيمة، منها تقلب الأسعار، صعوبة تتبع العمليات، ومخاطر غسيل الأموال أو تمويل الأنشطة غير المشروعة.
ولذلك، يرى الخبراء أنه من الضروري أن تضع السلطات المغربية أطرا قانونية وتنظيمية واضحة للتعامل مع العملات الرقمية، بما يوازن بين الابتكار المالي وحماية النظام المالي الوطني.
وتسهم التحولات التكنولوجية في زيادة كفاءة التحويلات وتشجيع بعض الفئات على الاستثمار، لكنها قد تؤثر أيضا على السيطرة على التدفقات المالية ومراقبة الالتزامات الجبائية، فالتحويلات الرقمية والعملات المشفرة قد تقلل من قدرة الدولة على تتبع الأموال والخضوع للضرائب، مما يستدعي تطوير سياسات مالية وجبائية متكاملة تراعي الابتكار التكنولوجي مع حماية الاقتصاد الوطني.
وتفتح التحديات التي تواجه التحويلات المالية واستثمارات المغاربة بالخارج المجال أمام إعادة النظر في السياسات المالية والجبائية، بما يضمن تعزيز فعالية التدفقات المالية وحماية النظام الاقتصادي الوطني، ومن هنا تأتي أهمية استكشاف آفاق الإصلاح واقتراح الحلول الممكنة التي تجمع بين الابتكار التشريعي والتكنولوجي وبين رفع كفاءة الرقابة والإدارة.
فتعقيد المساطر الإدارية والبيروقراطية يعتبر من أبرز العوائق التي تواجه المغاربة الراغبين في تحويل أموالهم أو استثمارها في الخارج، وهو ما يؤدي في كثير من الأحيان إلى اللجوء إلى القنوات غير الرسمية، بما يحمله ذلك من مخاطر على الاقتصاد الوطني وتهديد لاستقرار النظام المالي، ومن ثمة فإن تبسيط الإجراءات يعد مدخلا أساسيا لإصلاح المنظومة، بحيث يتم تقليص الوثائق المطلوبة، وتوحيد المساطر، واعتماد الرقمنة كأداة لتقليل التدخل البشري وما يرتبط به من تأخير أو محاباة.
وفي هذا السياق، يعتبر التشدد في مراقبة الصرف قد يؤدي عكسيا إلى تعطيل التدفقات المالية وخلق مسالك موازية يصعب ضبطها، وهو ما يؤكد الحاجة إلى الانتقال من منطق الرقابة الضيقة إلى مقاربة وقائية ومرنة.
أما في ما يخص تعزيز الشفافية، فإن ضمان ولوج المغاربة بالخارج إلى المعلومات الدقيقة والحديثة حول المساطر والحقوق والواجبات، يعد رافعة أساسية لاستعادة الثقة في المؤسسات المالية. فالشفافية تقلل من هامش الغموض والارتباك، وترسخ مبدأ المساواة أمام القانون، بما يتلاءم مع ما نص عليه الدستور المغربي في الفصل 27 من الحق في الحصول على المعلومات.
ومن جهة أخرى، توصي تقارير صندوق النقد الدولي بضرورة اعتماد سياسات واضحة وشفافة في تدبير التحويلات المالية للمهاجرين، نظرا لدورها المحوري في دعم الاقتصاديات الوطنية.
وإذن، فإن تبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية ليس فقط مطلبا إداريا، بل يشكل استراتيجية اقتصادية وأمنية في الآن ذاته، من شأنها أن تسهم في توجيه تحويلات المغاربة بالخارج نحو قنوات رسمية ومنظمة، بما ينعكس إيجابا على تمويل التنمية الوطنية.
ومن بين الحلول العملية التي يمكن أن تساهم في تشجيع تحويل الأموال عبر القنوات الرسمية وتوجيه استثمارات المغاربة بالخارج نحو الاقتصاد الوطني، إقرار تحفيزات مالية وضريبية تمكن هذه الفئة من الشعور بجدوى انخراطها في المنظومة الاقتصادية المحلية، إذ أبانت التجارب المقارنة أن تخفيف الضغط الجبائي واعتماد حوافز استثمارية واضحة يرفع من جاذبية البلد الأصلي أمام جاليته.
ففي المغرب، تشكل التحويلات المالية للمغاربة المقيمين بالخارج مصدرا أساسيا للعملة الصعبة، إذ بلغ حجمها حوالي 110 مليار درهم سنة 2022 وفق إحصائيات بنك المغرب، إلا أن استثمار هذه التحويلات يبقى محدودا نظرا لغياب الحوافز الكافية، ومن ثم فإن تخفيض نسب الضرائب على الاستثمارات المنتجة، وتقديم إعفاءات ضريبية مرحلية، مع تسهيل الولوج إلى القروض البنكية، يمكن أن يشكل رافعة أساسية لاستقطاب المزيد من رؤوس الأموال.
والتحفيزات الجبائية تعتبر من أنجع الآليات لجلب الاستثمارات، شريطة أن تُقرن بالشفافية والوضوح في القواعد الضريبية، وبالتالي فإن وضع إطار قانوني ضريبي خاص باستثمارات المغاربة بالخارج من شأنه أن يحقق التوازن بين مصلحة الدولة في الرفع من المداخيل، ومصلحة المستثمر في ضمان مردودية مناسبة.
كما توصي منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية (OCDE) بضرورة اعتماد حوافز مالية موجهة خصيصا للجاليات، باعتبارها فاعلا اقتصادًا استراتيجيا يمكن أن يسهم بشكل مباشر في تمويل التنمية المستدامة.
ثم إن التجارب الدولية أبانت عن وجود آليات مبتكرة لمعالجة إشكالية تحويل الأموال غير المصرح بها، وتشجيع استثمارات الجاليات في أوطانها الأصلية، ومن أبرز هذه التجارب:
فآلية العفو المالي، وهي الآلية اعتمدتها عدة دول مثل تونس والجزائر وإيطاليا مثلا، حيث تم منح المستثمرين أو الأفراد الذين يملكون أموالا بالخارج فرصة لإدماجها في الدورة الاقتصادية مقابل تسديد رسوم أو ضرائب مخففة، مع ضمان عدم متابعتهم قضائيا عن المخالفات السابقة، وتؤكد الدراسات أن هذه الآلية ساهمت في إعادة مليارات الدولارات إلى الاقتصاد الرسمي، كما حصل في تونس سنة 2017 بعد إقرار قانون العفو المالي.
وإنشاء صناديق استثمار موجهة للجالية، فقد أطلقت الهند والفلبين تجارب ناجحة في إنشاء صناديق استثمارية خاصة بجالياتها، حيث يتم تجميع مدخراتهم وتوجيهها نحو مشاريع بنية تحتية وتنموية، مع تقديم عوائد مالية مجزية، وقد أظهرت تقارير البنك الدولي أن هذه الصناديق تشكل أداة فعّالة لربط مصالح الجاليات بالخارج بالتنمية المحلية.
وإدماج التكنولوجيا المالية في الرقابة والتتبع، فقد أصبح من الضروري الانتقال من المراقبة التقليدية المبنية على الورق والمساطر المعقدة إلى الرقمنة والذكاء الاصطناعي في تتبع عمليات تحويل الأموال، إذ تتيح البلوكشين والتطبيقات البنكية الذكية إمكانية تسجيل كل معاملة مالية بشكل فوري، مما يقلل من مخاطر التلاعب أو التهرب، وقد أشارت دراسة لصندوق النقد الدولي إلى أن التكنولوجيا المالية تمثل أداة استراتيجية لرفع مستوى الشفافية وتعزيز اندماج التحويلات المالية في النظام المصرفي الرسمي.
وبهذا فإن الاستفادة من التجارب المقارنة وإدماج الرقمنة يشكلان مسارين متكاملين، الأول يوفر حلولا قانونية ومالية لتشجيع تحويل الأموال واستثمارها، والثاني يضمن آليات تقنية ورقابية تعزز الشفافية وتحد من المخاطر.
وفي الختام يتضح من خلال الدراسة أن تحويل الأموال واستثمارات المغاربة بالخارج يشكل محورا حيويا في السياسات المالية والاقتصادية الوطنية، فهو ليس مجرد تدفق نقدي، بل أداة استراتيجية لتعزيز التنمية الاقتصادية، دعم الاستثمار، وتقوية احتياطيات العملة الصعبة، ولقد أظهرت المباحث أن الإطار القانوني والتنظيمي يشكل حجر الزاوية في هذا المجال، حيث يقوم بنك المغرب والهيئات المصرفية والجهات الرقابية بأدوار مزدوجة تتمثل في حماية الاقتصاد الوطني من أي مخاطر مالية محتملة، وفي الوقت ذاته تشجيع الجالية المغربية على استثمار مدخراتها في مشاريع إنتاجية وعقارية تعود بالنفع على الوطن.
ويعكس تحرير سوق الصرف تدريجيا وتوسيع نطاق مرونة الدرهم والتشدد في مراقبة التحويلات المالية سعي الدولة إلى تحقيق التوازن بين الانفتاح على الأسواق العالمية والحفاظ على الاستقرار النقدي، كما تبين أن المقتضيات الجبائية والسياسات التحفيزية، مثل الإعفاءات الضريبية والتسهيلات البنكية والقانونية، تشكل أدوات فعّالة لتحفيز الجالية على المساهمة في التنمية الاقتصادية، شريطة أن تكون واضحة وشفافة وقابلة للتطبيق بسهولة، مع التنسيق بين الجهات البنكية والجبائية لضمان أثر ملموس ومستدام.
وعلى الرغم من هذه السياسات، تواجه عملية التحويل والاستثمار تحديات عملية عدة، أبرزها صعوبة المساطر البنكية والإدارية، ضعف البنية الرقمية الموجهة للجالية، غياب بنك مشاريع شامل، وتعقيدات التنسيق بين الجهات المختلفة، كما يبرز عنصر الثقة في النظام المالي والقانوني كعامل جوهري، فغياب الوضوح أو بطء إنجاز المعاملات يؤدي إلى تحويل الأموال نحو أسواق خارجية أكثر استقرارا، ما يمثل خسارة كبيرة للاقتصاد الوطني.
ولقد أحدثت التحولات التكنولوجية، بما فيها التحويلات الرقمية واستخدام العملات المشفرة، فرصة نوعية للمغاربة المقيمين بالخارج لإدارة أموالهم بسرعة وكفاءة، لكنها في الوقت نفسه فرضت تحديات جديدة على الرقابة المالية والجبائية، مما يستدعي تطوير استراتيجيات متكاملة تجمع بين الابتكار التكنولوجي وحماية النظام المالي الوطني.
وبناء على ما سبق، يتضح أن نجاح السياسات المالية والجبائية المغربية يعتمد على قدرة الدولة على خلق بيئة محفزة ومستقرة للجالية، تجمع بين الشفافية، البساطة في الإجراءات، وضمان الأمن القانوني، مع تقديم حوافز مالية وضريبية جذابة، واستثمار التكنولوجيا المالية لتعزيز الرقابة والشفافية، ويؤكد التحليل أن استدامة هذه السياسات تتطلب تبني رؤية شاملة، تشمل إعادة النظر في التشريعات، تطوير البنية الرقمية، تعزيز الشمول المالي، ورفع كفاءة التنسيق بين جميع الجهات المعنية.
كما أن الاستفادة من التجارب الدولية المقارنة، مثل آليات العفو المالي أو إنشاء صناديق استثمارية موجهة للجاليات، توفر دروسا قيمة يمكن تكييفها وفق خصوصيات الاقتصاد الوطني المغربي، مع مراعاة أهداف التنمية المستدامة، وتحفيز الاستثمارات الإنتاجية، وبالتالي يظهر أن تحويل الأموال واستثمارات المغاربة بالخارج ليس مجرد مسألة مالية بحتة، بل جزء من استراتيجية شاملة لتحقيق التنمية الاقتصادية، استقطاب العملة الصعبة، وتعزيز قدرة المغرب على الانخراط في الاقتصاد العالمي بثقة واستقرار.
فالدراسة تؤكد أن تحقيق الأثر الحقيقي لهذه التحويلات والاستثمارات يتطلب دمج الجوانب القانونية والجبائية والبنكية والتكنولوجية، مع اعتماد مقاربة تشاركية بين الدولة والجالية المغربية والمستثمرين، لضمان أن تظل الأموال المحولة وسيلة فاعلة لدعم الاقتصاد الوطني وتحقيق التنمية المستدامة، بما يعكس التوجه الاستراتيجي للمغرب نحو الانفتاح المالي والرقمنة والابتكار، مع الحفاظ على استقرار النظام المالي الوطني.
وبناء على هذا التحليل، يمكن استخلاص مجموعة من الاستنتاجات الأساسية، وهي كالتالي:
ضرورة تبسيط الإجراءات وتعزيز الشفافية من خلال تبسيط المساطر الإدارية والمالية، واعتماد الرقمنة، يساهم في تقليل العقبات أمام المستثمرين واستقطاب المزيد من التحويلات الرسمية، كما يعزز الثقة في النظام المالي.
توحيد السياسة الجبائية مع الإجراءات البنكية بتنسيق السياسات الضريبية مع التسهيلات المصرفية يضمن الاستفادة المثلى من التحفيزات ويعزز أثرها على التنمية الاقتصادية.
التحفيزات المالية وضريبية واضحة وموجهة من خلال منح إعفاءات ضريبية أو تخفيضات على الاستثمارات المنتجة، مع ضمان وضوح الشروط، يشجع الجالية على استثمار أموالها في مشاريع وطنية.
الاستفادة من التجارب المقارنة بتطبيق آليات مثل العفو المالي أو إنشاء صناديق استثمارية للجالية يمكن أن يشكل رافعة مهمة لتحويل الاستثمارات نحو الاقتصاد الوطني.
إدماج التكنولوجيا المالية في الرقابة باستخدام البلوكشين والتطبيقات البنكية الذكية يعزز الشفافية، ويسهل تتبع التحويلات، ويحد من المخاطر المتعلقة بالتحويلات غير الرسمية أو العملات المشفرة.
ويمكن، بناء على كل ذلك، تقديم المقترحات التالية:
إصلاح المنظومة الإدارية والمصرفية بوضع آليات مبسطة وواضحة لإجراءات التحويلات، وتوفير منصات رقمية مخصصة لمغاربة العالم، مع تقليص التدخل البشري في المعاملات.
تعزيز الشفافية القانونية والجبائية من خلال نشر المعلومات والإرشادات حول حقوق والتزامات المستثمرين، وتبسيط التشريعات الضريبية المتعلقة بالتحويلات والاستثمارات.
توسيع الحوافز المالية والجباية من خلال تقديم إعفاءات ضريبية مرحلية، وتخفيض الرسوم البنكية، وتسهيل الحصول على التمويلات البنكية للمشاريع الاستثمارية.
تعزيز الثقة في المنظومة المالية بتحسين سرعة إنجاز المعاملات، وضمان وضوح الإجراءات، ورفع كفاءة الرقابة على التحويلات، بما يعزز إحساس المستثمرين بالأمان القانوني والمالي.
دمج الابتكار التكنولوجي من خلال تطوير نظم مالية ذكية لمتابعة وتحليل التحويلات، وإقرار أطر قانونية واضحة للتعامل مع العملات المشفرة، مع المحافظة على الرقابة والشفافية.
إن كل هذه المقترحات الهدف من ورائها تحقيق التوازن بين جذب الاستثمارات وحماية الاقتصاد الوطني، وتحويل التحويلات المالية للجالية المغربية من مجرد موارد نقدية إلى أداة فعّالة لتعزيز التنمية المستدامة وبناء منظومة مالية متينة، قادرة على مواجهة تحديةات العصر الرقمي والاقتصادي العالمي.
*طالب باحث بسلك الدكتوراه بكلية الحقوق بأكادير وأستاذ علوم الاقتصاد والتدبير