ابراهيم الكلعي
إن أكبر مشكلة تعيشها الحكومة الحالية للمغرب، هي تفاعلها المتأخر أو السلبي مع مشاكل وقضايا شرائح واسعة من المغاربة، فلا يعقل مثلا أن تندلع الحرائق في سبعة أقاليم من الوطن ولا يصدر ولو بلاغ رسمي واحد من طرفها لطمأنة الساكنة المتضررة والخائفة على مصيرها أو لتنوير الرأي العام الوطني والدولي المتتبع لهذه المسألة حتى مرت ستة أيام على اندلاعها، ونفس القول يسري على مسألة الزيادة الفاحشة في أسعار المحروقات التي لم يصدر لحد الآن أي تفاعل رسمي حكومي جاد معها رغم اقتراب الهاشتاغ الفايسبوكي الرافض لها من المليونين، أم أن الحكومة لا ترى أن هذا الشكل الاحتجاجي الافتراضي يستدعي التفاعل الجاد أو قابلا للتطور لاحتجاج ميداني لا يمكن التكهن بمساراته وتطوراته ونتائجه؟، باستثناء قصاصة وكالة المغرب العربي للأنباء التي زاغت عن جادة الصواب وعبئت لهذه المعركة الإعلامية ضد سياسة الحكومة في قطاع المحروقات من حيث أرادت الدفاع عنها، متناسية أنها تأسست على يد وطنيين مغاربيين على رأسهم الصحفي المرحوم المهدي بنونة سنة 1959، ومتناسية المهام الموكلة لها من طرف الدولة المغربية في القانون رقم 02.15 المتعلق بإعادة تنظيم وكالة المغرب العربي للأنباء، في الفقرة الثالثة من المادة 3 التي تنص على ما يلي: “تحفيز النقاش العمومي الديمقراطي عبر تنظيم لقاءات فكرية وإعلامية كالمنتديات واللقاءات الحوارية والندوات”، ومقتضيات الفقرة الأولى من المادة 4 من القانون المذكور آنفا التي تلزم الوكالة بالبحث: “عن عناصر الخبر التام وذي مصداقية وموضوعية ومعالجتها بشكل منفتح ومتوازن ومتعدد وبحيادية وفقا لأخلاقيات مهنة الصحافة “، وهو ما لم تحترمه الوكالة في قصاصتها حين صرحت دون قيامها بأي تحقيق صحفي ميداني” إن الحملة الرقمية ليست ناجمة عن حركة شعبية، وإنما تغذيها على الخصوص أزيد من 500 حساب مزيف، تم إحداثها فوريا من قبل أوساط حاقدة غير معروفة حتى الآن لشن حملة ضد رئيس الحكومة” رغم اقتراب الحملة من المليونين منخرط، وعادت للقول ثانية: “إن الإيهام بأن كل زيادة في النفط توجه مباشرة إلى الفاعلين في قطاع المحروقات هو محض كذب. وتستخدم هذه الخدعة المغرضة من قبل المعارضين السياسيين لرئيس الحكومة لمهاجمته بصفة شخصية”. كما عملت على اتهام المواطنات والمواطنين المطالبين بشكل رئيسي بتخفيض أسعار البنزين والكازوال، قبل المطالبة برحيل أخنوش بشكل ثانوي، هو رد فعل مواطناتي على عدم التفاعل الجاد أكثر منه مطلبا سياسيا، بالتضليل ومهاجمة الأخير بصفة شخصية من قبل المعارضين له كرئيس للحكومة، بل تمادت واتهمتهم بالتواطؤ مع نشطاء سريين ومعارضة لا تقبل بهزيمتها الانتخابية القانونية في إشارة ضمنية إلى حزب العدالة والتنمية، بل الأخطر مما سبق أنها عملت على اتهام أصحاب هذه الحملة بأن هدفهم ليس الدفاع عن القدرة الشرائية للمواطنين وإنما محاولة خطيرة لزعزعة استقرار الحكومة والبلاد، لتختم مرافعتها المعنونة ب “عشر نقاط رئيسية لفهم الحملة ضد رئيس الحكومة على مواقع التواصل الاجتماعي” ضد نشطاء الحملة بالنشر غير المسؤول للحقد والعنف والتشهير وازدراء الرأي العام.
واليوم بدل التفاعل الجاد والمسؤول والدستوري والقانوني للحكومة مع مطالب ما يقارب المليوني مواطن، يعمل زعماء الحكومة على تصدير النقاش المطروح حول مسألة خفض أسعار المحروقات إلى الأطراف والأفراد المناهضين لسياسات الحكومة وغرور بعض شخصياتها العمومية التي ترى نفسها أكبر من الدولة والمجتمع معا، بل الأدهى مما سبق أن رشيد الطالبي العلمي، رئيس البرلمان وعضو المكتب السياسي لحزب التجمع الوطني للأحرار، في كلمة له بالمؤتمر الجهوي للتجمع الوطني للأحرار بسوس ماسة، رغم الاستمرارية الزمكانية لحملة المطالبة بتخفيض أسعار المحروقات ورحيل أخنوش عمل على تخصيص المسألة في شخص عزيز أخنوش وحزبه السياسي وتوجيه الرسائل لمن يسعون لخلق التفرقة داخل الحزب، متناسيا هو الآخر الأدوار التي يوكلها الدستور في الفصل 70 منه للمؤسسة التشريعية التي يرأسها والمحددة في ممارسة السلطة التشريعية بما فيها من تصويت على القوانين ومراقبة لعمل الحكومة وتقييم للسياسات العمومية، والتي تم الإخلال بها تحت رئاسته حين تم رفض مناقشة عدة مقترحات قوانين تقدمت بها فرق برلمانية وأعضاء فرادى لاستثناء المحروقات والمواد النفطية من لائحة المواد المحررة أسعارها ودعم الحكومة للأسعار في حالة تجاوزها للقدرة الشرائية للمستهلكين وتسقيف أرباح شركات التوزيع ومراقبتها، مما خلق حالة من السخط داخل البرلمان وفي الشارع وعلى منصات التواصل الاجتماعي.
كما صرح رشيد الطالبي العلمي في كلمته، بأنه من غير الدستوري التفاعل مع الحملة الافتراضية السابقة الذكر، وكأني به يحرض أو ينتظر انتقال المحتجين افتراضيا للساحات العامة للتفاعل الجاد مع مطالب الحملة، أو كأنه تناسى أن احتجاجات “الربيع العربي” ابتدأت من منصة فايسبوك لتهدم أنظمة سياسية ديكتاتورية كانت تعتقد أن حكمها خالدا ولم تكن تتفاعل بشكل إيجابي وجاد مع مطالب وانتظارات شعوبها، وكأنه تناسى أن حراك 20 فبراير المغربي قد انطلق افتراضيا بعدد لم يصل إلى ما وصلت له حملة المطالبة بتخفيض أسعار المحروقات اليوم المستمرة في التوسع ومراكمة السخط الشعبي على الأداء الحكومي.
وختاما، إذا كانت الحكومة لا تتفاعل بشكل دستوري وجاد ومسؤول مع مطالب ومشاكل شرائح واسعة من المغاربة، سواء أكانت افتراضية تعبر عن معاناتهم اليومية أم واقعية عن طريق مقترحات قوانين وأسئلة نوابهم في المؤسسة التشريعية، فمتى ستتفاعل معهم ؟، هل حين ينفد صبرهم ويصل السيل الزبى ويحتلوا الساحات العمومية رافعين مطالب تتجاوز السقف الراهن ؟.