بقلم *حسن مزوزي*
إذا كانت المحاماة مهنة حرة، مستقلة وتساهم في تحقيق العدالة باعتبارها جزء من أسرة القضاء كما تم التنصيص عليه في الفصل الأول من مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة المثير للجدل، فإن الطريقة التي أريد بها تنزيل قانون المهنة لا تعكس البتة التعريف المذكور سواء من حيث الشكل أو من حيث الجوهر. فحينما ينتفض النقباء ومن ورائهم المحامون ضد مسودة المشروع المسرب، فذلك يعني أن الأمر جلل ويقتضي بالتالي إيلاءه النظر الذي يستحقه ولا يمكن حجبه بتصريحات سياسوية لا تليق البتة بمهنة النبلاء.
زهاء قرن من الزمن على صدور أول قانون منظم لمهنة المحاماة سنة 1924 و في الوقت الذي يهيئ فيه المحامون لمؤتمرهم المزمع إجراؤه في إقليم وادي الذهب بمدينة الداخلة و لغاية في نفس يعقوب يتم تسريب مسودة مشروع قانون مهنة المحاماة أقل ما يمكن أن يقال عنه أنه يشكل ردة و سقطة مدوية مقارنة مع السياق الحركي للقوانين السابقة (1924-1958-1968-1979-1993-2008) و هي قوانين وإن لم تحقق تطورا عموديا يشمل جميع جوانب المهنة بشكلها الحضاري العصري و المهام الجديدة المطروحة عليها فقد وصفت بتحركها البطيء في الاتجاه الأفقي من الحسن إلى الأحسن . وكأن قدر المحاماة – خاصة في الحقبة الأخيرة – الصمود لنائبات الزمن العفوية والمبيتة، من إدراج نص مسطري في قانون المالية لسنة 2020 إلى منع المحامين من ممارسة مهامهم بدريعة جائحة كوفيد إلى تسريب مسودة مشروع قانون يرمي إلى تطويع مهنة النبلاء والبقية تأتي..
فحينما يتم استبعاد المحامي من إعداد قانون مهنته التي يعرف دروبها و خباياها و يتوفر على كافة المؤهلات لتطوير فضائها , فذلك يعني أن وزارة العدل لا تؤمن بالمقاربة التشاركية في هذا المجال و لا ترغب فيها , في الوقت الذي تستحق فيه مهنة المحاماة مقعدا دائما بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية لتساهم فعليا في تسيير دفة القضاء , فهي أقرب إلى مجال العدالة من أغلب الأعضاء المتواجدين بالمجلس – و أتمنى أن يتبوأ المحامي مقعده من بين الشخصيات الخمس التي يعينها الملك و المشهود لها بالكفاءة و التجرد و النزاهة و العطاء المتميز في سبيل استقلال القضاء و سيادة القانون – إعمالا لمقتضيات الفصل 115 من الدستور .
فإذا افتقدت مبادرة وزارة العدل للمقاربة التشاركية في إعداد قانون المهنة فإن مضمون بعض نصوصها يفتقد للكثير من المقومات التي لا يمكن أن ترقى بها إلى قانون يهدف إلى تطوير العدالة بل إن بعض المقتضيات تتسم بالسطحية والسذاجة المفرطة التي تفتقر إلى رؤيا استشرافية لمستقبل مهنة المحاماة بل هي بالعكس مبعث قلق وتهديد لسيادة القانون المغربي ومؤسساته القضائية. لنأخذ على سبيل المثال لا الحصر بعض نصوص هذه المسودة التي تحتاج إلى الكثير من التروي والتركيز. فالفصل 27 من المسودة مثلا الذي يسمح للمحامي بأن يزاول مهنته في إطار عقد تعاون مع محامي أجنبي. أو الفصل 30 الذي يسمح لكل محام مسجل في الجدول أن يبرم عقد تعاون مع محامي أجنبي أو شركة مهنية تنتمي إلى دولة أجنبية إضافة إلى الفصل 35 الذي يسمح للمحامين الحاملين للجنسية المغربية والمزاولين لمهنتهم بصفة فعلية ومستمرة في بلد أجنبي من ممارسة المهام المنصوص عليها في الفصل المذكور , ناهيك عن أحقية وزير العدل في الإذن لمكتب محاماة أجنبي لا يرتبط بلده الأصلي باتفاقية مع المملكة المغربية، ولو لم يكن مسجلا بأحد جداول هيئات المحامين بالمغرب، بمزاولة المهام المشار اليها أعلاه، شريطة أن يكون مرتبطا بعقد مع شركة أجنبية لها بالمملكة المغربية مشروع استثماري أو صفقة وأن يسجل بلائحة مستقلة في احدى هيئات المحامين بالمغرب.
فهذه النصوص القانونية وغيرها تحتاج إلى نقاش مستفيض، هادئ ومسؤول تشارك فيه كافة الأطراف المعنية به لتطوير مهنة المحاماة بالمغرب والحيلولة دون تحويلها إلى مأذونيات تمنح لبعض مكاتب المحاماة الأجنبية الكبرى عن طريق التحايل على قانون لم يأخذ بعين الاعتبار بعض الثغرات، وكذا بعدم جعل مكاتب المحاماة بالمغرب إلى مجرد محلات للتخابر وصناديق للبريد. فالمحامون المغاربة الممارسين في دول أجنبية مرحب بهم في بلدهم يمارسون فيه مهنتهم إسوة بزملائهم المغاربة، لكن بحيطة وحذر لانعدام التكافؤ بين المكاتب الأجنبية التي يمارس بها المحامون هناك بالمآت إن لم نقل الآلاف وبين المكاتب الوطنية التي ما زالت تبحث عن نفسها.
إن أي إصلاح مؤسساتي قانوني يقتضي بالضرورة معرفة تاريخ المؤسسة المراد إصلاحها والوقوف على بعض الأنظمة القانونية المقارنة المتقدمة ولا أعتقد أن مهندسي المسودة المسربة قد استحضروا عراقة مهنة النبلاء وتاريخها المجيد أو اطلعوا على أنظمة مقارنة متطورة بقدر ما احتكموا إلى مكيافيلية ساذجة وسطحية استهدفت إضعاف المحاماة الذي هو في آخر المطاف إضعاف للعدالة ككل وهو أمر لا يمكن حدوثه لوجود محامين شرفاء متحدين بهيئاتهم قاطبة لا فرق بين كبيرها و فتيها في مواجهة الأخطار التي تهدد مهنتهم و مؤمنين بنبل رسالتهم العصية على التطويع.
*باحث، محامي بهيئة القنيطرة