سؤال يتبادر إلى ذهني بين الفينة والأخرى، أحاول من خلاله أن أعدد إيجابيات هذا المشروع الإستراتيجي، كما أحاول أن أجد له المواءمة اللازمة مع الوضع الراهن، ثم أستحضر سؤالا آخرا لا يقل أهمية عن الأول وهو هل نملك المقومات الأساسية لهذه الرؤية ؟.
أعتقد أنه على مستوى المؤسسات نمتلك نسبيا المؤهلات المطلوبة، تشريعيا ينقصنا الكثير، ماديا كذلك ينقصنا الكثير،
إن الانسلاخ من المركزية إلى الجهوية مسألة جد معقدة، خاصة في ظل أحزاب ضعيفة، هي نفسها لا تمتلك المقومات الأساس للأحزاب المبدئية الحقيقية، ما ينعكس على أداء الحكومات التي تفرزها انتخابات كلنا يعرف ما تخفيه من مرشحين وقياديين بعضهم فاسد وبعضهم غير مؤهل، وبالتالي أغلب المشاريع الهادفة، إن لم نقل كلها، يتم عرقلتها على مستويين؛ التشريعي من خلال النخبة البرلمانية، التنفيذي من خلال النخبة الحاكمة، كلاهما تتملكهما العقلية البيروقراطية البائدة.
مثال حي، على فشل التدبير الجهوي هو ما يقع الآن فيما يخص تسوية رتب الأساتذة أطر الأكاديميات سابقا، الذين اجتازوا اختبارات الترسيم مؤخرا وحتى الذين اجتازوه من قبل.
بالنسبة للذين اجتازوه في السنوات السابقة لازالوا قابعين في الرتبة 2 لم يترنحوا إلى يومنا هذا، علما أن منهم من يجب أن يكون مرتبا في الرتبة 5. أما الذين اجتازوه مؤخرا منهم من تزحزح فقط إلى الرتبة 2 وذلك في بعض الجهات، وهي ثلاثة فقط من أصل إثنا عشر جهة !!! علما أن أغلب المعنيين لهم الحق على الأقل في الرتبة 4.
لعل التباين الحاصل على مستوى الرتب وكٰذا على مستوى الجهات، يضعنا أمام وضعية مشكل يجب معالجتها الآن؛ قانونيا، إجرائيا وماديا، قبل أن يتفاقم الوضع ويتولد لدينا ضحايا قدامى جدد، يدفعون في اتجاه تأسيس تنسيقية أو تنسيقيات تطالب بحقوق مادية وإدارية مهضومة بسبب عدم جدية بعض المسؤولين وتهاونهم المتكرر والمستمر.
المسؤولون الذين مافتئوا ينشدون المواويل والأمداح و يمجدون الجهوية الموسعة ونحن نعلم علم اليقين، أنهم مستفيدون منها ومن المناصب الرفيعة والأجور السمينة التي تمنحها إياهم.
ربما هي جهويتهم الموسعة لما توفر لهم من رزق واسع، وضيقة على الآخرين لما تقدمه لهم من حرمان ومعاناة نفسية، مادية ومن تم اجتماعية.
من هذا المنطلق، ومن المعطيات السالفة الذكر، نستطيع أن نقول أن الجهوية المتقدمة، قد تم تحريفها بنجاح عن مسارها الطبيعي الهادف إلى مسار آخر عنوانه الأبرز، ريع مقنن أنيق، بربطة عنق، بذلة سوداء، وقميص فخم وسيارة آخر طراز.