إعداد / ذ. محمد جناي
” علاج الأسنان “
جعل الله هذه الشريعة الإسلامية المباركة أكمل الشرائع وأحسنها بما حملته من خصائص ومزايا ومكارم فاقت بها كل الأديان وفي كل شؤونها ومجالاتها : في العقيدة والتشريع والعبادات و المعاملات و الأخلاق والسلوك ، وإن من خصائص هذا الدين أنه دين اليسر والسهولة والسماحة كما وصفه صلى الله عليه وسلم بقوله : ” إن هذا الدين يسر ” ، و كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ” بعثت بالحنيفية السمحة “.(1)
ويتجلى ذلك اليسر في رفع الحرج عن بعض ذوي الحالات الخاصة التي تمنعهم حالاتهم من أداء فريضة الصيام أو تجعله شاقا عليهم ، فرخص لهم الفطر في رمضان مع إرشادهم إلى ما يقوم مقام صيامهم الذي سقط عنهم ، كل بحسب حاله ، وفي هذا عدم تكليف أحد بما لا يطيق ، قال الله تعالى :” لَا يُكَلِّفُ اُ۬للَّهُ نَفْساً اِلَّا وُسْعَهَاۖ “(البقرة : 285) ، وقوله تعالى :”وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِے اِ۬لدِّينِ مِنْ حَرَجٖۖ “(الحج : 76) .(2)
والمريض الصائم قد تواجهه بعض المشاكل فيما يتعلق بالتداوي ببعض الأمور التي لا يعلم أمفطرة هي أم لا ؟ إذ لا خلاف بين العلماء المتقدمين والمتأخرين في أنه يجب على الصائم الإمساك زمان الصوم عن المطعوم والمشروب والجماع قال تعالى :”فَالَٰنَ بَٰشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اَ۬للَّهُ لَكُمْۖ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّيٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ اُ۬لْخَيْطُ اُ۬لَابْيَضُ مِنَ اَ۬لْخَيْطِ اِ۬لَاسْوَدِ مِنَ اَ۬لْفَجْرِۖ ثُمَّ أَتِمُّواْ اُ۬لصِّيَامَ إِلَي اَ۬ليْلِۖ “( البقرة : 186)، إلا أنه قد جد في عالم الطب أمور كثيرة أصبحت حياة المريض الصائم بها أيسر كغسيل الكلى بنوعيه و مناظير الجهاز الهضمي والحقن وغيرها من المستجدات.(3)
والأسنان هي أجسام حية وليست عظاما ميتة ، تعطي شكلا جماليا للوجه ، وتساعد على الكلام ، ففي داخل كل سن يوجد نسيج حي يسمى لب السن ، يحتوي على شعيرات دموية تغذي السن ، وعلى أعصاب تمكن من الشعور بالحرارة والبرودة والضغط والألم ، ويحيط باللب مادة قاسية تدعى العاج ، ويغطي جزء السن الظاهر في الفم وهو التاج طبقة قاسية بيضاء اللون تدعى الميناء ، ويغطي جزء السن المطمور داخل نسج الفك وهو الجذر ، طبقة من مادة حساسة تشبه العظم تدعى الملاط.
ولعل آلام الأسنان ومشاكلها هي من أكثر المشاكل الطبية ذيوعا وإيلاما في الوقت ذاته ، حيث يقوم طبيب الأسنان بتنظيف الحفرة من المواد النخرة وذلك باستخدام مثاقيب خاصة تثبت في آلة توربينية متصلة بمحرك كهربائي في جهاز وحدة الأسنان، وبعد ذلك يملأ مكان الحفر بالحشوة النظامية المناسبة ، وإذا كان لب السن مصابا فإنه سوف يستأصله، ويقوم بحشو القناة السنية بمواد خاصة.
ولما كانت عملية حفر الأسنان مؤلمة ، كان تخدير اللثة أمرا ضروريا لراحة المريض ، ولإتمام عملية العلاج بيسر وسهولة للمريض والطبيب على حد سواء .
أولا : أثر مداواة الأسنان في الصيام
هذه المسألة يتعلق بها عدة أمور :
1 – التخدير الموضعي للثة :
الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة على أن المفسد للصوم بالجملة مما يدخل الجسم هو ما يصل إلى الجوف مع خلاف بينهم في التفاصيل، ولهذا فإن الدواء المخدر إذا حقنت به لثة المريض لا يفطر لأنه ليس مما يغذي ولا يصل إلى الحلق عن طريق الفم أو الأنف ، وعلى هذا فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء بالمملكة العربية السعودية ، فقد سئلت اللجنة عن طبيب الأسنان يحتاج إلى إعطاء المريض إبرة في الفم للتخدير الموضعي من أجل العلاج ، فهل يؤثر ذلك على الصيام علما بأن المريض قد يستطيع تأجيل العلاج إلى الليل أو حتى بعد رمضان ؟
الجواب : لا بأس بإعطاء الصائم إبرة للتخدير الموضعي في الفم وغيره من أجل العلاج لأنها ليست مغذية.
2 – استخدام الماء لتبريد آلة حفر الأسنان وحشو السن بالأدوية المناسبة:
لا بأس باستعمال الماء لتبريد آلة الحفر على أن يحرص الطبيب على شفطه بالآلة الخاصة بشفط السوائل لأن غاية ما هنالك أنه يشبه المضمضة، ولا يفطر بالمضمضة بغير خلاف ، ويحرص المريض على عدم ابتلاعه لهذا الماء.
وأما الدواء الذي يضعه الطبيب لمداواة السن فإن وجد طعمه في حلقه فالحنفية والشافعية ، والحنابلة قياسا على المضمضة للطهارة على أنه لا يفطر بذلك ولا يفسد صومه ، وأما المالكية فذلك مفطر عندهم لأنه يصل إلى الحلق.
والراجح : لابأس باستخدام الطبيب الأدوية التي يحتاجها في معالجة السن ولو وجد المريض طعمها في حلقه لأن الدواء إنما يوضع في السن أو الضرس ولا يبتلعه المريض، وإنما يجد طعمه في حلقه لتوفر براعم التذوق بكثرة في مؤخرة اللسان، وعلى هذا فلا حرج في استخدام أمثال هذه الأدوية على أن يتحرز المريض من ابتلاعها، أو ابتلاع ريقه إذا تسرب إليه شيء من هذه الأدوية، فإذا شعر به وجب عليه مجه على الفور وعدم بلعه، وإذا ابتلعه رغما عنه دون قصد فلا حرج عليه، وعلى هذا مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته العاشرة : ” أن حفر السن لا يفطر على أن يتجنب الابتلاع ” .(4)
هوامش:
(1) : يسر الشريعة المعالم والشروط ، تأليف الدكتور عبد العزيز بن إبراهيم العويد ، مكتبة الملك فهد الوطنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى : 2012، (صفحات : 5 – 6).
(2) : النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ، تأليف أسامة بن أحمد بن يوسف الخلاوي ،دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع ، ( ص : 38 ).
(3): النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ، تأليف أسامة بن أحمد بن يوسف الخلاوي ،دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع ، ( ص : 14).
(4): النوازل الفقهية المعاصرة المتعلقة بالتداوي بالصيام ، تأليف أسامة بن أحمد بن يوسف الخلاوي ،دار كنوز اشبيليا للنشر والتوزيع ،(صفحات : 173 – 174 – 175 – 176 ).
شكرا لكم رمضان مبارك سعيد