بقلم *الدكتور أمين بوزوبع*
أولا، من حيث الشكل، فمقابل الإجراء الإيجابي الذي يمكن أن نسجله في مشروع قانون المالية لسنة 2023، و المتمثل في تخفيض الرسوم الجمركية على المواد الأولية للأدوية و كذا تخفيض تلك الرسوم على الأدوية المستوردة والتي توجد مثيلاتها في المغرب، مما سيخفض أثمنة بعض الأدوية كما سيقوي وضعية الصناعة الدوائية الوطنية؛ فإنه لا بد أن نسجل استغرابنا العميق حول مقاربة هذا المشروع في الرفع المفاجئ من ضريبة الأرباح على الشركات الصغيرة بشكل تدريجي لتصل إلى 20% عوض %10 و الذي يهدد العديد من الصيدليات.
حيث أنه بشكل عام، هذا المقتضى القانوني يشكل خطرا كبيرا على المقاولات الصغيرة و الصغيرة جدا، و هناك استياء واسع لدى كل شرائح المجتمع بما فيها مختلف المهن المنظمة، و العديد منها بدأ فعليا في مظاهر احتجاجية.
لأن الشركات الصغرى في وقت سابق و التي لم يتعدى هامش ربحها السنوي 300.000 درهم والتي كانت تؤدي %10 كضريبة للأرباح؛ اليوم، بموجب المشروع الحالي الذي يتم تدارسه في البرلمان، وضع على قدم المساواة شركة تحقق ربحا سنويا ل 100 مليون درهم مع شركة تحقق ربحا سنويا 50.000 درهم. و بالتالي، يمكننا أن نتوقع ارتفاع حالات الإفلاس في المرحلة المقبلة بالنسبة للشركات الصغيرة و الأمر سيمس أيضا الصيدليات. لأن العديد من الصيدليات فهي تمارس في إطار قانوني للشركات، علما أن العديد منها يتصف بالهشاشة الاقتصادية و على حافة الإفلاس، بحيث أن قطاع الصيدليات اليوم يعد 4000 صيدلية، أي ثلث الصيدليات على عتبة الإفلاس موزعة عبر التراب الوطني و التي تغلق أبوابها من حين لآخر.
وحسب الأرقام التي تقدمها المديرية العامة للضرائب، فإن 1129 صيدلية من أصل 12.000 صيدلية في المغرب، فهي تشتغل في إطار قانوني للشركات و نسبة معتبرة منها حاليا على عتبة الإفلاس، و هو ما يعني أننا سنشهد إغلاقا بوثيرة أكبر في المرحلة المقبلة لمرافق صحية مهمة و التي تقدم خدمات صيدلانية للقرب للمواطنين، والتي ستؤدي إلى تبعات اجتماعية و تعطيل أطر صيدلانية و تسريح مساعدين للصيادلة، هذا مع حرمان المواطن من الدواء و لاسيما في المناطق القروية التي لا تتوفر على أكثر من صيدلية واحدة.
ثانيا، كل الصيدليات المعبر عنها سابقا، 1129 صيدلية، كلها حديثة العهد في تغيير إطارها القانوني من شخصية ذاتية Personne Physique إلى شركات، و ذلك تفاعلا مع توجيهات و سياسات كل الحكومات السابقة و السياسة الجبائية للمديرية العامة للضرائب التي تحفز على تغيير الإطار القانوني للصيدليات من أجل نظام محاسباتي أفضل وفعال. و لكن، اليوم بموجب قرار الرفع من الضريبة على المقاولات الصغرى، فإن هذا المشروع أصبح عقبة لكل الصيدليات المتبقية في إطار الشخصية الذاتية أن تحدو نحو هذه التجربة المكلفة والمهددة لاستقرار العديد منهم.
ثالثا، لا بد أن نستحضر بشكل قوي أن بلدنا مقدم على ورش اجتماعي ضخم متمثل في تنزيل التغطية الصحية الشاملة، و التي تعتبر فيها الصيدليات شريكا استراتيجيا في هذا الورش، وهو ما جعل وزارة الصحة واعية في المرحلة الأخيرة بضرورة تأهيل قطاع الصيدليات على مستوى توازناته الاقتصادية بتنزيل إصلاحات عميقة، من أجل تمكينه و تأهيله لمواكبة مشروع التغطية الصحية الشاملة.
لكن الآن بصدد مشروع قانون المالية نرى عمق التراجع الذي سيحدثه رفع قيمة ضريبة الأرباح و انعكاساته الاقتصادية على الصيدليات، و التي تدخل في خانة المقاولات الصغيرة و المقاولات الصغيرة جدا. و هو ما يعني أن هذا المشروع لم يعد فقط يهدد النسيج الاقتصادي، بل أصبح يهدد حتى الأمن الصحي للبلاد بغلق مرافق أساسية تقدم خدمات صحية للمواطنين.
*الكاتب العام لكونفدرالية نقابات صيادلة المغرب