قرر وزير العدل إجراء امتحان ثان خاص بمنح شهادة الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة في ظرف زمني لا يتجاوز سبعة أشهر. والسبب في ذلك يعود إلى تداعيات الامتحان الأخير المجرى في دجنبر 2022 و ما خلفه من انتقادات حادة من مختلف أطياف المجتمع و التي ساهمت في تأجيجها التصريحات الرعناء لأتفه وزير عدل في تاريخ الحكومات المغربية المتعاقبة منذ الاستقلال. ويبقى أبرز هاته التصريحات تلك التي أكد فيها بأن عدد الناجحين باستحقاق هو 800 شخص فقط. أما الباقي و عددهم حوالي 1300 شخص فقد تم إنجاحهم بقرار، يتحمل وحده مسؤوليته السياسية والقانونية. رقم طرح الكثير من القيل والقال حول هوية هؤلاء و معايير نجاحهم. و قد نال أبناء المحامين حصد الأسد من الجلد رغم أن عددهم لا يتجاوز 200 محام في مختلف هيئات المحامين و ضمنهم من نجح باستحقاق. أما الباقي فهم كوطا وزعت بين الأحزاب السياسية سواء تلك المشاركة في الحكومة أو خارجها، و الوزراء والمسؤولين و منهم من لم يحضر أصلا للامتحان. أي أن 1300 ناجح خارج الإطار و المعايير المسطرة مسبقا لا يستحق أن يلج مهنة المحاماة. و لأن من رسب في الامتحان من أبناء الشعب لم يهضموا كيف تم إقصاؤهم من الاستفاذة من الريع الذي وزعه وزير العدل، فقد عرفوا من أين تؤكل الكتف. و هنا بدأت المساومة و الضغط على وزير أفسد كل شيء جميل في مهنة المحاماة و قدمها أمام الرأي العام و كأنها مهنة تفتقد الشفافية و النزاهة في كل شيء، لتتدخل مؤسسة دستورية ميتة اسمها الوسيط لإيجاد مخرج لواحد من كوارث الحكومة و وزيرها في العدل بتقديم توصيات لهاته الأخيرة في شكل تعليمات بإجراء امتحان ثان للمحاماة لتمكين من يعتقدون أنه تم إقصاؤهم من كعكة الريع من محاولة ثانية لولوج مهنة المحاماة و لو على حساب الوضع الكارثي الذي يعيشه المتمرنون سواء فوج 2019 أو فوج 2022 مادام عدد كبير منهم لم يجد مكتبا يحتضنه للتمرين و مادامت الدولة ترفض بشكل قاطع إحداث معهد للتكوين رغم النص عليه في قانون المحاماة منذ سنة 1993.
ألم يكن حريا بمؤسسة الوسيط أن تتدخل لفائدة المحامين المتمرنين من أجل حت الدولة على الوفاء بالتزامها المنصوص عليه في قانون المهنة منذ أكثر من 30 سنة المتمثل في إحداث معهد للتكوين من أجل ضمان تكوين فعال لهؤلاء ، مادامت الدولة تتنصل من هذا الالتزام بشكل غير مفهوم ؟
أو لم يكن من الأولى و الأجدر و مادام تقرير مؤسسة الوسيط يطعن في نزاهة الامتحان السابق، أن يتم تفعيل مبدإ دستوري هام يتجلى في ربط المسؤولية بالمحاسبة. وفي هذا الإطار نعتقد أن وزير العدل الحالي الذي اعترف بالعمل على إنجاح 1300 شخص خارج المعايير المسطرة سلفا ، كان يجب أن يكون على رأس لائحة من يجب مساءلتهم سياسيا و جنائيا. و هنا و بالعودة إلى تقرير أرسله الوسيط لمكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب حول ما قام به من إجراءات منذ بسط يده على الموضوع يتضح أن هاته المؤسسة لا تدين في خلاصاتها وزارة العدل و الساهرين على الامتحان فقط، بل إنها تدين بشكل مباشر حتى القضاء المغربي في شخص محكمة النقض الذي رفض الطعن الذي تقدم به بعض الراسبين في الامتحان من خلال الحديث عن الضرر الذي لحقهم من جراء الرسوب في الامتحان. و هنا نكون أمام مؤسسة استيقظت فتغولت على الكل بما في ذلك السلطة القضائية، مع أن الإجراء السليم و الطريق الأقرب كان يقتضي إقالة وزير العدل منذ أول تصريح حول نتائج الامتحان الأخير. لكن قدر الله و ما شاء فعل. فهذه بلادنا و إن جارت علينا و تجبرت.
أما على مستوى تعاطي مكتب جمعية هيئات المحامين بالمغرب باعتباره الإطار المفاوض نيابة عن جموع المحامين بالمغرب بإستثناء هيئة الدار البيضاء في المرحلة الحالية ، فأعتقد أنه واحد من أسباب النكسات التي عانت منها المهنة في ولاية الرئيس النقيب عبد الواحد الأنصاري. لماذا؟
بالعودة إلى إحدى البلاغات الأولى التي أصدرها المكتب الحالي و التي أقحم فيها الرئيس بعض العبارات الداعمة للعمل الحكومي اتضح أننا ضللنا الطريق في اختيار قائد السفينة. قائد كان يردد دائما أنه سيوظف موقعه السياسي لخدمة المهنة لكن الأفعال و الأحداث أكدت العكس فاتضح أن الرئيس و كلما توحد المحامون من أجل الدفاع المهنة و شددوا الخناق على وزارة العدل او الحكومة إلا و يتدخل بطرق ملتبسة للانقلاب عليهم من أجل تخليص حلفاته الحكوميين من ورطتهم. و الكل يتذكر خلاصات اجتماع مجلس الجمعية المنعقد ببوسكورة في نهاية أكتوبر من السنة الماضية حول الملف الضريبي حيث أمسينا بقرارات مجلس الجمعية و أصبحنا على قرارات أخرى لسيادة الرئيس.
إن أكبر الكبائر التي ورط فيها الرئيس المحامين هي ترك قنوات الحوار مفتوحة مع وزير كشر عن أنيابه و أخرج كل حقده الدفين على المهنة منذ الأسابيع الأولى لتنصيبه . فبمناسبة إعلان الامتحان المشؤوم في نهاية السنة الماضية اتخذ مكتب الجمعية قرارا بمقاطعة الامتحان للأسباب المعروفة و بمقاطعة وزير العدل باعتباره شخصا لا يحترم المقاربة التشاركية كمبدإ دستوري و كعرف دأبت عليه وزارة العدل في علاقتها بالجمعية. فما الذي تغير حتى يتغير الموقف من وزير العدل؟ كما أن ثاني أكبر الأخطاء المرتكبة من مكتب الجمعية هي قبول التفاوض مع وزير العدل إلى جانب الوزير المنتدب في المالية بخصوص الملف الضريبي رغم أن الضريبة شأن خاص بوزارة المالية. و لا زالت الأخطاء تتراكم و المهنة هي من يؤدي الثمن. فإلى متى و ما العمل؟
سؤالين في هذا الظرف الدقيق يؤرقان كل محام و محامية. و على من سنعول لإيجاد مخرج لهذا الوضع ؟
أعتقد أنه إذا كنا ننتظر من رئيس الجمعية الحالي وقف هذا العبث بمهنتنا فنحن حمقى و الأولى أن نبحث عن مصحات عقلية لندخلها بالجملة. فهل نراهن مرة أخرى على مكتب الجمعية؟ أعتقد نعم. فلو تحملت المجالس مسؤولياتها و بلورت مواقف قوية للدفاع عن المهنة و كلفت النقباء بإبلاغها لمكتب الجمعية من أجل اتخاذ موقف موحد و حازم ضد ما يحاك ضد المهنة يأخذ بعين الاعتبار كيفية إيصال صوتنا حول واقع المهنة لمن يشرع و يقرر من أجلها الامتحان تلو الآخر دون الأخذ بعين الاعتبار واقع المحامين المتمرنين الذين لا يستطيعون إيجاد مكاتب للتمرين. و من حالفه الحظ منهم و وجد مكتبا فإن أغلب هاته المكاتب لا توفر حتى الحد الأدنى من شروط التمرين. لكن ما هي الوسيلة المثلى لإيصال صوتنا إلى من يهمه الأمر؟ هل الحوار وحده كاف لإيصال صوتنا ؟ الجواب سهل و أعتقد أنه بالرجوع إلى آخر معركتين من أجل القياس و هما معركة الجواز و معركة الضريبة سيتضح أن وحدتنا و فعلنا الاحتجاجي القوي هما الوسيلتين الأنسب. نعم سنصطدم بمرضى الانتخابات ممن يعتبرون كل دعوة للنضال بمثابة تسخين انتخابي. سنقول لهم شافاكم الله لكن و في هذا الظرف الصعب نقول لهم أيضا مرحبا بكم في الصفوف الأمامية للمرشحين للانتخابات. فقط فكروا معنا بصوت مسموع و جودوا علينا بمقترحاتكم النيرة للخروج من هذا المأزق و ألف مرحبا بالجميع. لكن إن انحنينا هاته المرة فقد تكون الضربة القاتلة و لا نستطيع النهوض ثانية.