بقلم: *ادريس بوعباني*
احتضنت دولة قطر الشقيقة التظاهرة الرياضية العالمية لبطولة كأس العالم في نسختها 22، وهي أول دولة عربية تنال شرف الاحتضان لهذا المهرجان الكروي الأكثر شعبية، فما هي الغاية من هذا الإشراف من قبل دولة ليس لها حضور عالمي في مجال كرة القدم؟.
تجدر الإشارة إلى أن هذه النسخة تجرى في صلب مجموعة من التحولات والسياقات الدولية التي تغذيها المصالح والنزعات الذاتية والقطبية، كعنوان لبوادر تشكل نظام جديد، سيماته الهيمنة الاقتصادية والاستفراد بالقرارات السياسية.
ولعل ما عشناه من تداعيات انتشار فيروس كورونا، وما نعيشه اليوم من تطاحن روسي / أوكراني، ما هو إلا مظهر من مظاهر تشكل العالم الجديد المتسم بالعنف والإفراط في استعمال القوة.
إن دولة قطر تعلم مسبقا، أنها لن تعول على الظفر بالكأس رغم ما له من رمزية ودلالات، وإنما تسعى إلى لفت الرأي العام الدولي إلى هذه القوة الصاعدة، والتي أبهرت العالم من حيث الوفاء بكل التزاماتها وزيادة، من توفير البنية التحتية الضرورية، ومن حيث التنظيم المحكم والدقيق طيلة احتضان التظاهرة، وجعلها قبلة ومحجا لكل الجنسيات العالمية، والاطلاع عن قرب عما تشهده قطر من تنمية شاملة على كافة المستويات، الاقتصادية والسياسية والثقافية والفنية والحقوقية …..وهي بذلك ترفع سقف مستوى الدول الراغبة في استضافة بطولات كأس العالم في 2026 وما بعدها، وكأن الأمر أصبح مجالا لإثبات الذات بين حضارتين غربية/ عربية، جعل من كرة القدم فضاء للتدافع والترافع الضمني حول أحقية وموقع العرب والمسلمين داخل العالم الجديد المفترض، وما سيؤول إليه من اتجاهات بعد خفوت الصراعات، وقد رفع من منسوب هذا الطرح تأهل المنتخب المغربي إلى المربع الذهبي، مسجلا نفس السبق الذي حققته قطر في التنظيم،
لعل التجاوب الكبير لجل شعوب الدول العربية والإفريقية خلال التأهل المغربي إلى نصف النهائي، مؤشر على تعطش هذه الشعوب إلى الانعتاق والتحرر من كل الاختيارات اللاشعبية وإملاءات المؤسسات الدولية، فهي تشعر بالغبن والدونية، وتتطلع إلى توحيد الصف العربي لمواجهة كل الأخطار المهددة للهوية العربية الإسلامية، بدءا بالأسرة، والاحتماء، بالخصوصيات المحلية، ظهر ذلك جليا عند كل انتصار مغربي حين يلجأ بعض اللاعبين المغاربة إلى أمهاتهم في المدرجات، (رضاة الوالدين)، أو التركيز على مفهوم النية ( البركة ) من قبل المدرب الركراكي، أو أدعية الفقهاء والأئمة مع المنتخب المغربي، أو خروج الأمواج البشرية للشعوب العربية والإسلامية للاحتفال بهذا الإنجاز، فتبلور شعور عام لديهم أن الانتصار أصبح ملكا لكل الشعوب العربية والإسلامية، وليس مقتصرا على الشعب المغربي فقط، خاصة بعد الفوز على إسبانيا والبرتغال رغم الانهزام مع فرنسا بشرف مع بعض التجاوزات والتسويات، يبقى المغرب عصي على الهضم، إذ اتخذت هذه المقابلات أبعادا سياسية، استحضر فيها الوعي بالتراكمات النفسية، والقهر الذي مارسته الكولونيالية على الشعوب الإسلامية والإفريقية من تقتيل ونهب واستبداد، فما تعيشه من أوضاع اقتصادية وسياسية مزرية، وهجرات غير شرعية اتجاه أوروبا، هو ناتج عن مخلفات الاستعمار في تعطيل إرادتها نحو تحقيق التنمية الشاملة، من خلال العمل بشكل ممنهج على تعميق الخلافات بين الدول العربية والإفريقية، ولعل ما يعيشه الصف العربي من تباين في المواقف، وصراعات حول الحدود، لدليل ساطع على التردي والانحدار، فجامعة الدول العربية في دورتها الأخيرة المنعقدة بالجزائر تحت شعار” لم الشمل” أيام 1 و2 نونبر 2022 لم تحظ بمشاركة جل ملوك ورؤساء الدول العربية، بسبب ازدواجية خطاب الدولة الجزائرية، فهي تدعو للم الشمل، وفي نفس الآن تمارس مواقف عدائية اتجاه المغرب، من خلال محاولة التدخل في شؤونه الداخلية، واحتضانها لجبهة الوهم التي باتت أيامها معدودة، وتسخيرها لعرقلة مساره التنموي عبثا.
ولعل ما حققه المنتخب المغربي في هذه البطولة من سبق تاريخي، قد ناب عن الأنظمة العربية في لم شمل الأمة العربية والإسلامية، المتعطشة إلى الانعتاق ورد الاعتبار في الكرامة والحرية، متى تحققت الإرادة السياسية والإخلاص في العمل، بدءا من الاستثمار الأمثل في العنصر البشري، والاهتمام بالبحث العلمي.
وهو ما يشكل نوعا من تعاقد جديد، يضع المغرب أمام مسؤوليات أخرى أخلاقية وسياسية وتاريخية على المحك، تنضاف إلى دوره المحوري كرئيس لجنة القدس، وكفاعل قاري يسعى إلى توحيد الموقف الإفريقي، وتحصينه من كل هيمنة جديدة لكبريات الاقتصادات العالمية، خاصة أن إفريقيا تزخر بخيرات طبيعية متنوعة، لكن بمنسوب ديموقراطي ضعيف، لهذه الغاية يسعى المغرب جاهدا للم شمل إفريقيا، درءا لكل هيمنة تعمق الوضع الحالي للقارة، من خلال مشروع أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، ثم أوروبا، لما للطاقة من أهمية في المفاوضات المثمرة.
بمثل هذه الجهود وغيرها، فإن المغرب كملتقى للثقافات والحضارات، يعزز موقعه ودوره الريادي كقوة إقليمية، من مسؤولياته ربط الجسور بين الشمال والشرق والغرب، لما فيه خير الإنسانية جمعاء، انطلاقا من منطق رابح/ رابح.
فشكرا لمن أيقظن الحلم العربي فينا.