مهدية: إمكانات طبيعية وتاريخية غير مستغلة في ظل غياب التخطيط السياحي

عبد القادر هيطوف

جماعة مهدية، الواقعة بمحاذاة نهر سبو وساحل المحيط الأطلسي، تعد واحدة من المناطق الغنية بالموارد الطبيعية والتاريخية، ما يجعلها مؤهلة لأن تكون نموذجا للتنمية المستدامة. بفضل قربها من مدينتي القنيطرة والرباط، وتاريخها العريق الذي شهد من أبرز محطاته اللقاء الذي جمع يوسف بن تاشفين والمعتمد بن عباد.

توفر مهدية بيئة مثالية لاستقطاب الاستثمارات السياحية والاقتصادية. ومع ذلك، غياب رؤية تنموية واضحة حال دون تحقيق هذا الطموح، وأدى إلى تأخر المنطقة عن ركب التنمية.

مهدية تزخر بمقومات تجعلها وجهة سياحية متكاملة. فإلى جانب شاطئها الممتد ونهر سبو، تضم الجماعة محمية سيدي بوغابة، التي تعتبر إحدى أهم المواقع البيئية في المغرب. كما أن ميناء مهدية وسوق السمك يمثلان رافعتين اقتصاديتين، مع إمكانية تطويرهما لاستقطاب أنشطة إضافية، كالسياحة البحرية وتصدير المنتجات البحرية. ورغم أن هذه الموارد تتيح فرصا استثنائية، إلا أن ضعف التخطيط الاستراتيجي حال دون استغلالها بالشكل الأمثل.

ولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن مهدية، مقارنة بشاطئ الأمم القريب، كانت تمتلك مؤهلات أكبر لتكون الوجهة السياحية الرائدة في المنطقة. فبينما استفاد شاطئ الأمم من استثمارات كبيرة بفضل رؤية واضحة وتخطيط استراتيجي، ظلت مهدية تراوح مكانها بسبب غياب التخطيط، ما جعلها تفوت فرصتها في تحقيق التنمية. هذا الواقع يسلط الضوء على الحاجة الملحة لوضع رؤية شاملة تعزز من مكانة مهدية كمركز اقتصادي وسياحي.

إلى جانب هذه الإشكاليات، تعاني مهدية من تحديات أخرى تزيد من تعقيد الوضع. التوسع العمراني العشوائي يهدد الموارد الطبيعية، بما في ذلك محمية سيدي بوغابة ونهر سبو، اللذين يواجهان مخاطر التلوث. كما أن البنية التحتية غير الكافية يضعف من جاذبيتها للمستثمرين والزوار.

النمو الديمغرافي المتسارع يمثل تحديا إضافيا. فوفق إحصاء 2024، بلغ عدد سكان الجماعة حوالي 59,000 نسمة، بزيادة 104% مقارنة بعام 2014. هذا التزايد يلقي بظلاله على الخدمات العامة، التي تعاني أصلا من ضعف الموارد وسوء التخطيط.

رغم هذه التحديات، فإن الفرص لا تزال قائمة. يمكن لمهدية الاستفادة من نماذج ناجحة في مدن مغربية صغيرة مثل أصيلة، التي استطاعت بفضل استثمارها في موروثها الثقافي والطبيعي أن تتحول إلى وجهة سياحية عالمية. أصيلة تعد نموذجا يحتذى به، حيث تم توظيف تاريخها، ومهرجاناتها لجذب السياح، مع المحافظة على مواردها الطبيعية والبشرية. كذلك مدينة الصويرة، التي استطاعت بفضل الاستثمار في الموروث الثقافي و الفني والطبيعي أن تصبح وجهة سياحية عالمية.

لتحقيق هذا التحول، تحتاج مهدية إلى خطة تنموية شاملة تشمل حماية الموارد الطبيعية مثل محمية سيدي بوغابة، وتأهيل المعالم التاريخية كقصبة مولاي إسماعيل، وتطوير الميناء وسوق السمك ليكونا مركزين اقتصاديين متكاملين. كما يتطلب الأمر تعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص، وتشجيع الاستثمار في البنية التحتية والمرافق السياحية. إشراك السكان المحليين في هذا المسار، من خلال تدريبهم ودعمهم لإطلاق مشاريع صغيرة، سيعزز من فرص النجاح ويرسخ التنمية المستدامة.

إن مهدية، بموقعها المتميز وتاريخها الغني، تظل قادرة على أن تكون نموذجا للتنمية المتكاملة. لكن هذا يتطلب إرادة سياسية قوية وتخطيطا استراتيجيا يحول الإمكانات غير المستغلة إلى واقع ملموس، يجعلها تلتحق بركب المدن التي استفادت من مواردها وحققت نهضة تنموية.