هشام العماري: التخويف من “حكومة القضاة” حنين إلى ما قبل دستور 2011

المساء24

في خضم النقاش المتجدد حول استقلال السلطة القضائية بالمغرب، خرج هشام العماري، رئيس نادي قضاة المغرب، بتدوينة مطولة فند فيها ما وصفها بـ”الدعوات التخويفية” من بروز ما يسمى بـ”حكومة القضاة”، معتبرا أن هذه الدعوات لا تستند إلى أساس دستوري أو واقعي، وإنما تعكس حنينا دفينا إلى مرحلة ما قبل دستور 2011، حيث لم يكن القضاء يتمتع بالضمانات الكافية لاستقلاله عن السلطتين التشريعية والتنفيذية.

العماري، الذي تناول السياق التاريخي لمصطلح “دولة القضاة”، أشار إلى أن هذا المفهوم نشأ في الولايات المتحدة الأميركية خلال فترات تاريخية محددة، حين طغى تدخل المحكمة العليا على الصلاحيات التنفيذية والتشريعية، ما أدى إلى صدام مؤسساتي في عهد كل من “طوماس جيفرسون” و”فرانكلين روزفلت”. لكنه شدد على أن لا مجال للمقارنة أو استنساخ هذا المفهوم في السياق المغربي، الذي حسم دستوريا استقلالية السلطات ضمن منطق التوازن والتعاون، لا الهيمنة أو الانفصال، على حد قوله.

واستعرض رئيس نادي القضاة أبرز الضمانات التي جاء بها دستور 2011 لترسيخ استقلال السلطة القضائية، من بينها التنصيص الصريح على كون القضاء سلطة مستقلة، لا تتبع لا للحكومة ولا للبرلمان، وكذا تحصين القضاة ضد أي تدخل أو ضغط أو تعليمات، مع التنصيص على آليات داخلية لضمان التزام القضاة بواجب التحفظ واستقلالهم، من بينها المجلس الأعلى للسلطة القضائية.

وذكر العماري بأن هذه التوجهات جاءت استجابة لتوصيات تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة سنة 2006، التي أوصت بإصلاح القضاء وضمان استقلاليته، وهو ما تُرجم عمليا من خلال القوانين التنظيمية المتعلقة بالنظام الأساسي للقضاة والمجلس الأعلى للسلطة القضائية، إلى جانب إخراج رئاسة النيابة العامة من وصاية وزارة العدل.

وردا على الأصوات التي تتخوف من “تغول القضاة”، أو تنتقد ممارستهم لحرية التعبير أو انخراطهم في العمل الجمعوي المهني، أكد العماري أن هذه المخاوف غير مؤسسة، مضيفا أن دستور المملكة يضمن للقضاة صراحة حق التعبير وتأسيس جمعيات مهنية، ما دامت تحترم واجبات التجرد واستقلال القضاء.

وشدد العماري على أن السماح للقضاة بالتعبير عن آرائهم في الشأن القضائي ومشاريع القوانين المرتبطة بالعدالة، لا يعني تدخلهم في العمل التشريعي أو تهديد مبدأ فصل السلطات، بل يعكس حقا دستوريا يندرج في إطار الديمقراطية التشاركية، ودفاعًا عن مكانة القضاء داخل النسق المؤسساتي.

وخص العماري بتعليق مباشر تصريحات وزير العدل عبد اللطيف وهبي، الذي كان قد اعتبر في تصريح صحفي أن بعض القضاة “يريدون التشريع والحكم في الوقت نفسه”، ملوحًا بخطر “تحول الجمعيات القضائية إلى أدوات سياسية تهدد منظومة القضاء”. ورا على ذلك، أوضح رئيس نادي القضاة أن القانون واضح في الفصل بين الاختصاصات، مبرزا أن هناك مقتضيات دستورية تمنع تدخل القضاء في أعمال البرلمان والحكومة، بدءا من منع المحاكم العادية من النظر في دستورية القوانين، مرورا باختصاص محكمة النقض في مراقبة الخروقات، وانتهاء بالإجراءات التي تؤطر عمل النيابة العامة وعلاقتها بالسلطة القضائية.

وختم العماري تدوينته بالتأكيد على أن الحديث عن “دولة القضاة” لا يعدو كونه خطابا مضادا للتراكمات التي تحققت في مجال استقلال القضاء، ومحاولة لزرع الشك في وعي الرأي العام، محذرا من أن مثل هذا الخطاب “لا أساس له من الصحة”، ويعكس فقط رغبة في الالتفاف على مكتسبات دستور 2011 والعودة إلى مرحلة الهيمنة التنفيذية على السلطة القضائية، وفق تعبيره.