رغم الانفتاح على طرق التربية الحديثة، إلا أن الواقع يشير إلى أزمة حقيقة في تربية وتأهيل الأبناء بصورة سوية تجعلهم قادرين على النهوض بمسوؤلياتهم في عالم سريع التقلبات، وتكمن الأزمة في عدم الاعتراف بالمشكلة في البداية من جانب الوالدين، وانقطاع اللغة المشتركة مع الأبناء فينشأوا انطوائيين معزولين لايستطيعون القيام بأدوارهم ولا النهوض بمسؤولياتهم تجاه أنفسهم ومجتمعهم فتنشأ الأسر متقطعة الصلة بعيدا عن الترابط .
وفيما يرى البعض أن الحل يكمن في الاعتراف بالقصور والخطأ في التربية، يرى آخرون ضرورة عدم تعميق الوضع بالمبالغة في التوبيخ، وإنما يجب التعاطي بموضوعية بعيدا عن التدليل الزائد، ودراسة المشكلات جيدا مع مراعاة الحالة النفسية للأبناء.
فيما توصي دراسات علمية بالتركيز على الندرة والتحفيز والشعور بمعاناة الغير كأساليب غير مباشرة للتربية الحديثة ومواجهة الصعوبات في سن مبكرة.
احتواء الأبناء والاعتراف بالقصور
في البداية عددت بثينة باعباد المستشارة الأسرية والمديرة العامة لمركز الإرشاد الأسري، الصعوبات التى تواجه الأسر في التربية والتأهيل مشيرة إلى المعوقات التي تكتنف قنوات الحوار مع الأبناء من فئة عمرية إلى أخرى نتيجة لغياب اللغة المشتركة بين المراهقين والوالدين.
وأرجعت ذلك ألى رغبة المراهق في الاستقلالية والعزلة وعدم التواصل وضعف الاهتمام بأمور العائلة معيدة إلى الذاكرة قول المصطفى صلى الله عليه وسلم “كل مولود يولد على الفطرة” .
وشددت على دور الآباء في احتواء أبنائهم وتفهم المرحلة التي يمرون بها ومن ثم وضع ضوابط للحوار البناء بين جميع الأطراف.
وأشارت إلى أهمية تعاطي الأسر مع مشكلات أبنائهم المراهقين بموضوعية والاقرار بوقوع أخطاء في التربية نتيجة عدم الاعتراف بوجود قصور وتقبل الآخر بطريقة ودية في الحوار بعيدا عن العنف.
ودعت إلى التربية على أسس من الحب والاحترام والتواضع والتقدير للآخرين.
عدم المبالغة في التوبيخ
من جانبه حذر المختص التربوي حمزة الشريف من المبالغة في استخدام أساليب التوبيخ والتهديد في تربية الأبناء مشيرا إلى أن ذلك يغرس في نفس الطفل الشعور بالنقص وفقدان الثقة واللجوء إلى الانطواء.
وفي المقابل دعا إلى الاعتدال في التربية والابتعاد عن الحمائية والتدليل الزائد حتى لايؤدي لك إلى بروز شخصية انطوائية في مرحلة مبكرة من العمر ومن ثم التقدم بالعمر بشخصية اتكالية غير مستقلة لا تستطيع النهوض بمسؤولياتها.
ويرى أن أخطاء التربية يستحسن تداركها قبل فوات الأوان، وأن حصل تقصير فهناك حلول تساعد على تصحيح المسار.
وأضاف: عند المبالغة في استخدام التوبيخ وهو لا بأس أن يلجأ الوالدين إليه إذا ما أخطأ الأبناء في أمر يستوجب العقاب، فإنه يمكن الزجْر عنه بالتوبيخ، دون افراط وأن يراعي المؤدِّب حال الصغار، والفروق بينهم في الطباع والأخلاق، فمنهم مَن يكفي في لومه وإشعاره بخطئه نظرةٌ قاسية، ومنهم من يرتجف فؤاده بالتلميح، ومنهم مَن لا يردعه إلا التصريح باللوم والتوبيخ.
وفي مشكلة المقارنة فإنه لا يجب التعامل مع الطفل على أنه مصدر للفخر في الأوساط الاجتماعية للوالدين فقط، من خلال تحديد أهداف غير واقعية والضغط عليه لتنفيذها، لأنهم بالنهاية سيحصدون خيبة الأمل لهم ولطفلهم، ويجب معالجة هذه الظاهرة بترسيخ قيم احترام وتقدير الذات لكل طفل لينشأ بصورة صحيحة سلوكيا، وفي مشكلة الدلال الزائد وجب على الوالدين أن يعيدوا تشكيل سلوك أبنائهم من أجل مساعدتهم على التكيف مع أمور الحياة والناس، و أن يكونا أصحاب فعل وليس رد فعل عند مواجهة السلوك الخاطئ لو أردنا تربية صحيحة سليمة مبنية على قواعد وادوات مناسبة.
أزمة في التوجيه الصحيح
ترى المستشارة الأسرية والاجتماعية دعاء زهران أن أزمة التربية الصحيحة تكمن في غياب الموجه الصحيح، لافتة الى قول الله سبحانه و تعالى : (وَإِذْ قَالَ لُقْمَانُ لاِبْنِهِ وَهُوَ يَعِظُهُ)، وتدل سورة لقمان عليه السلام على أهمية توجيه وتربية الأباء لأبنائهم، وأن تنشئتهم نشئة دينية صحيحة واجب على الوالدين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم.. (مَا مِنْ عَبْدٍ يَسْتَرْعِيهِ اللهُ رَعِيَّةً، يَمُوتُ يَوْمَ يَمُوتُ وَهُوَ غَاشٌّ لِرَعِيَّتِهِ، إِلَّا حَرَّمَ اللهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ) ومن أكثر مشاكل التربية عدم وجود الموجه الصحيح (الوالدين) وتسليم التربية والرعاية لمن يقوم بيها بدلا عنهما سواء (الجدة ،الجد ،المربيات) ويظن البعض بأن مسؤليتهم تكمُن في توفير المأكل والمشرب والمادة، وإذا شعر الأبوان بوجود خلل في سلوك أو تربية أبنائهم فعليهم استخدام جميع الوسائل العلمية والمهنية الصحيحة في ضبط سلوكياتهم وتوجيههم التوجيه الصائب باستشارة مختصين في المجال الاجتماعي والنفسي والأسري وليس هناك عمر للتوقف عنده في توجيه ومساندة الأبناء والاعتراف بالخطأ في التربية باعتبار ذلك جريمة أكبر في حق الأبناء.
أسلوب التربية بالندرة
دعا بحث علمي نشرته صحيفة تايمز اوف انديا إلى تنشئة الأطفال بأسلوب الندرة حتى يتحلوا بالقدرة على مواجهة أي احتمالات لصعوبات مستقبلية. وبحسب ما نشرته الصحيفة تقول الدكتورة أسميتا ماهاجان، استشارية طب الأطفال وحديثي الولادة، لا يجب أن يستسلم الآباء والأمهات لكل مطالب وهوى أطفالهم، لأن ذلك يفسدهم في نهاية المطاف.
ويوصي الخبراء بأن يتم تقديم الهدايا للأطفال فقط كمكافأة لتحقيق معالم جديدة في حياتهم أو في مناسبات رئيسية محددة مثل مساعدة إخوتهم والحفاظ على نظافة غرفهم وإكمال واجباتهم المدرسية في الوقت المحدد، ويجب أن يتعلم الأطفال التكيف مع لعبهم وألعابهم الحالية وألا يصروا على استبدالها بأحدث الموديلات، وإلا سيتحول الأمر إلى مشكلة دائمة، ولا ينبغي حرمان الأطفال من الألعاب الأساسية والاستمتاع بطفولتهم بشكل كامل، ولكن يجب أيضًا تعليمهم الموازنة مع الواقع، أما إذا طلب الطفل هدية باهظة الثمن، وغير ضرورية إلى حد ما، فينصح الخبراء بتأخير شراء هذا العنصر، أو عدم شرائه على الإطلاق واستبداله بمنتج آخر أكثر فائدة على المديين القريب والبعيد.
وضع أهداف قابلة للتحقيق
يوصي الخبراء بأن يضع الآباء والأمهات أهدافًا لأطفالهم كي يسعوا إلى تحقيقها إذا كانوا يريدون الحصول على لعبة ما أو هدية يفضلونها. وفي كثير من الأحيان، سيتعلم الطفل أن تحديد الأهداف والعمل على تحقيقها يساعد على كسب الأشياء، وسيؤدي اجتهادهم للفوز بها إلى عدم سرعة التفريط فيها بعد بضعة أيام أو أسابيع. وينصح الخبراء بأن يمارس الوالدان عادات جيدة مع الأطفال تتضمن مقدارًا متوازنًا من وقت الشاشة وقضاء وقت عائلي جيد وتخصيص أوقات للاستمتاع بالتنزه واللعب خارج المنزل بعيدًا عن وقت الاستذكار والدراسة بحيث تصبح كافة الأنشطة متساوية ومناسبة لحياة الطفل.
ويقول الخبراء إنه يمكن استغلال بعض المناسبات بشكل جيد مثل التخطيط لرحلة إلى دار للأيتام وعندما يرى الطفل مدى سعادة المحرومين بالحصول على الهدايا أو المأكولات والحلوى، سيبدأ في تقدير النعم بشكل عملي وتعلم تقدير ما يتلقاه في الحياة بشكل عام.
عن صحيفة المدينة السعودية