بقلم: *د. محمد إكيج*
من الظواهر المشينة التي لا تخطئها العين في شوارعنا وأمام المساجد والمقابر والمخابز وفي الأسواق وبالقرب من المؤسسات البنكية والمقاهي وفي المنتزهات العامة… وفي كل مكان تقريبا… استغلال الأطفال الصغار بل وحتى الرضع من قبل متسولين كبار وصغار ذكورا وإناثا سواء في أيام الصيف الحارة أو الشتاء الباردة.. وفي وضعيات مزرية يحتجز فيها الأطفال والرضع لساعات طويلة إما مفترشين للإسفلت البارد فوق قطع من الكرطون المهترئ أو على كراسي متحركة تنعدم فيها أدنى شروط الراحة والسلامة!!
وقد أفادت بعض الدراسات الميدانية لإحدى الجمعيات الناشطة في هذا المجال
بأن 75% من المتسولين يستغلون الأطفال في أنشطتهم التسولية، وأن 37% من الأطفال الذين يتم استغلالهم في التسول يصابون بإعاقات حركية بسبب سوء المعاملة التي يتعرضون إليها من الكبار كالضرب والجرح فضلا عن الإعاقة النفسية بسبب عبارات السب والشتم والألفاظ النابية التي يتلقونها يوميا، وأن 17% من المتسولات يقمن بالمهمة بأكثر من طفل واحد، و66% من الأطفال لا تزيد أعمارهم عن أربع سنوات، و27% أقل من سنة واحدة.
ولم يعد الأمر يقتصر على التسول الواقعي في الأماكن العامة.. بل انتقل إلى مواقع التواصل الاجتماعي.. حيث يتم استغلال براءة هؤلاء الأطفال من أجل إيقاع المواطنين في شراك النصب والاحتيال وذلك من خلال إطلاق نداءات “إنسانية مؤلمة” تدعي العوز والهشاشة والحاجة إلى إجراء عمليات جراحية عاجلة تكلف أموالا طائلة.. أو تحتاج إلى مسكن يأويها لأنها تعاني التشرد أو الطرد من المكتري!!! أو تبحث عن مورد رزق يحفظ كرامتها من الامتهان!!!
ومما يؤسف له أن هذا الاستغلال الفظيع للطفولة المغربية يتم على مرأى ومسمع من الجميع أفرادا وهيئات مدنية وسياسية وقضائية وأمنية رغم أن القانون الجنائي المغربي ينص صراحة على تجريم هذا السلوك المهين في عدة فصول منها الفصل 327 الذي ينص على معاقبة بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة كل متسول، حتى ولو كان ذا عاهة أو معدما، ومن يستعمل أي وسيلة من وسائل التسول ومن ضمنها “استصحاب طفل صغير أو أكثر من غير فروعه” ، بينما ينص الفصل 328 على أنه “يعاقب بالعقوبة المشار إليها في الفصل السابق من يستخدم في التسول، صراحة أو تحت ستار مهنة أو حرفة ما، أطفالا يقل سنهم عن ثلاثة عشر عاما”.. وينص الفصل 330 من ذات القانون بأنه “يعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين الأب أو الأم أو الوصي أو المقدم أو الكافل أو المشغل، وعلى العموم كلّ من له سلطة على طفل أو من كان يقوم برعايته، إذا سلم، ولو من دون مقابل، الطفل أو اليتيم المكفول أو الطفل المهمل الخاضع للكفالة أو المتعلم الذي تقل سنه عن 18 سنة إلى متشرد أو متشردين أو متسول أو متسولين”.
ووفق الفصل ذاته “تطبق العقوبة نفسها على كل من سلّم الطفل أو اليتيم المكفول أو الطفل الخاضع للكفالة أو المتعلم، الذي تقل سنه عن 18 سنة، أو حمل غيره على تسليمه إلى متسول أو متسولين أو متشرد أو متشردين”..
فلماذا لا يتم تفعيل هذه المقتضيات الزجرية لردع هؤلاء المجرمين الذين يغتصبون براءة هؤلاء الأطفال في النصب والاحتيال والتسول؟؟؟!!!