منعم أولاد عبد الكريم
قليلون من يعرفون أنما السعادة في الأصل هي قرار شخصي، يتخذه الفرد في كل يوم، مع صرف النظر عن ظروف الحياة والبيئة الاجتماعية والأشخاص المحيطين به… فالسعادة، إذن، مسألة إرادة، أولا وأخيرا، والفرد هو المسؤول الأول عن خلق ظروف تحققها، إما باقتفاء شروطها او بتجنب مُفسداتها. وتبقى العقول الناضجة الأقدر على تحديد قيمة ونوعية الشروط الأنسب لتحقيق السعادة، دون إفراط ولا تفريط. فالسعادة تقتضي نوعا من الاعتدال في اختيارات كثيرة.
إلا أنه وجب التمييز بين السعادة والمتعة، رغم نزوع المجتمعات المعاصرة إلى الخلط بينهما، نتيجة سيادة نوع من الابتدال واللامعنى والخواء في التعاطي مع مفهوم السعادة بين الناس. فالسعادة مَلمح من ملامح التركيب النفسي للشخص، بينما المتعة مجرد شعور وجيز، والمزج بينهما إنما هو نتيجة لإفراغ حياة الأفراد في مجتمعاتنا الحالية من القيم والمبادئ والمعاني المؤطرة لها، حينما أصبح التهافت على المتعة والترفيه في مخيال الأغلبية شكل من أشكال السعادة، بينما هي في الحقيقة سعادة زائفة، مثلها مثل السراب، ينقضي أثرها بانقضاء مفعول المتعة. فالسعادة أعمق وأوسع بكثير من مجرد تراكم المتعات والقدرة على الوصول إلى ملذات الحياة. قد تكون هاته أذوات للسعادة، لكنها وحدها غير كافية لتحقيق السعادة الحقيقية للفرد، والتي تتصف عموما بالاستدامة، وتقوم على نوع من الرضا عن الذات والاختيارات الحياتية والقناعات الفردية، حتى وإن كانت أحيانا مجلبة لبعض المتاعب. فالسعادة، إذن، تتطلب نوع من التكيف وقدر مهم من الذكاء العاطفي، أيضا.
فالسعادة في حد ذاتها ليست الهدف الأسمى للفرد في الحياة، كما يتم إيهامنا بذاك، بل هي نتيجة حتمية لكيفية تعاطينا مع الحياة نفسها. لهذا تجد ان الأشخاص الإيجابيون أكثر قدرة على خلق سعادتهم ولو بإمكانات بسيطة، ووسط ظروف حياة صعبة نسبيا. فيما يعجز السلبيون عن ذلك مهما توفرت لديهم من وسائل وأدوات… لأن أسلوب تعاطيهم مع ظروف الحياة هدام ويكرس التعاسة.
حينما يعجز الأفراد على بناء سعادتهم، غالبا ما يشرعون في البحث عن الذرائع والمبررات داخل الظروف والمحيط وإلقاء اللائمة على الآخرين، فإن لم يجدوها، اختلقوها، ليشرعوا بعدها في محاولات تتغيض حياة الآخرين، بدءً بأقرب المقربين. وعندما يصبح الفرد منشغلا بسعادة الآخرين، يكون قد بلغ من العجز النفسي على خلق سعادته الذاتية مبلغ اليأس أو ما يسمى ب”مرحلة اللاعودة”.. وغالبا ما يكون حينها قد نال منه الاكتئاب واضطرابات الشخصية نيلا.
وهكذا فإن الأسوياء يحولون سعادة الآخرين إلى محفزات لإفراز هرمون السعادة لديهم واستثمارها من أجل تحقيق سعادتهم الذاتية. فيما يجد التعساء في سعادة الغير زيادة في تعاستهم، وتذكير لهم بغياب قدرتهم على إنتاج السعادة والتمتع بالحياة. لهذا لا تتوقع منهم أن يفرحوا لفرح الآخرين أو أن يسعدوا لنجاحاتهم.
———————————————————