عمار أبو شعيب
كنت متأكدا بأن مجذوب الدوّار، الشيخ عبد الجبّار، سينفجر في وجهي هاته الصّبيحة، لذلك قررت أن أهديه رُزَيْمَة من “التَّنفيحَة”، الكتاميّة بكل مقادير “التَّدْريحَة”
تَسَلَّمها شاكِراً الوهاب الرحمان، فَكَّ عُقدتها بحماس العاشق الولهان… واستنشق منها ما تيسّر وظهر البرهان… انفرجت أساريره ونسي الزمان والمكان، ونظر إلي نظرة الثَّمِل السّكران، شكرني وقابل الجميل بالعِرْفان، ثم خاطبني بالحكمة والبيان:
– الآن فقط، عرفت أنه لم ينقرض الإنسان، أَعَدْتَ لي مزاجي واستوى لدي الميزان، هاتِ ما عندك من أسئلة أيها العطشان، فأنا الآن مستعد لأي امتحان…
– قل لي بربك يا مجذوبنا اليقضان… لماذا صار تعليمنا في خبر كان… وأضحينا في ذيل ترتيب سائر الأوطان…؟!
نظر إلي نظرة غريبة لا تبعث على الاطمئنان، وقال لي باليقين والبرهان:
- أَلَم تَجِدْ غير هذا السؤال أيها الصحافي الضّمآن…؟ كنتُ أحاول أن أُداريَ هذا الواقع المخزي بالنِّسْيان، وها أنت توقض في أعماقي الطوفان، إنَّ عيني لتبكي دما وقطران، كلما تذكرت القرويين أقدم وأعظم جامعة عبر الأزمان، كان يحج إليها طالب العلم من كل الأجناس والألوان، من الهند والسِّند ومن بلاد السودان… كانت منارة العلم التي أضاءت الأكوان… واليوم انطفأ سيراج العلم وانهار البنيان، وصرنا في ذيل الأمم نجتر الخيبة والأحزان، وصارت جامعاتنا في وضع يشيب له الوِِلْدان والصّبيان، والخرّيجون يُقادون لزريبة العطالة كالخرفان في قُطعان، وذووا الكفاءة والنزاهة من الأساتذة بين المطرقة والسِّنْدان، ومنعدمو الضمير منهم يتاجرون بالشهادات بالعيان، صاروا كمالك الضيعة وطالبو العلم أقنان، واستبدل المدرس الكفاءة والقناعة بالجشع والطغيان، ومؤسسات تنفخ النقط كنفخ الأكباش بإتقان، فالأضحية والتلميذ لديها سِيان…
فكان طبيعيا أن نجني ثمار الارتجال والبهتان، وكانت الصدمة الكبرى يوم تسابقت الرُّكْبان، حيث لم تُذكر جامعة يتيمة واحدة لنا في تصنيف شنغهاي يا إخوان، ألف جامعة لم ننل بينها ما ننقي به الأسنان، عُدنا بقفة فارغة، لا تفاح ولا رمان، وبقينا ننعق بين البلابل والهداهد كالغربان… طوبى لجامعات أرض الكنانة مصر والأردن وجزر الواقواق ولبنان…
عجَّل الله بشفاء تعليمنا السّائر نحو البوار والخُسران، وتغمّد جامعاتنا بواسع رحمته وشَمِلَها بالغُفران…
- وما الحل في رأيك يا مجدوبنا الغضبان…!؟
– أنا لا أملك حكمة لقمان ولا خاتم سليمان، لقد اِنتهى مفعول “تنفيحتك” فاغرب عن وجهي أيها الشيطان…
ترك المجذوب سؤالي معلَّقاً وغاب بين الكثبان…