دموع البصل
برعلا زكريا
بعدما كانت العين تدمع جراء تقطيع البصل ها هي الآن تبكي حتى دون الاقتراب من هذه المادة التي لا يمكن الاستغناء عنها في مطبخ المغاربة والسبب ثمنها المرتفع على غير العادة.
والذي يرى في هذا الطرح مبالغة ما عليه سوى القيام بجولة “فيسبوكية” وسيرى الرجال والنساء يشتكون من قلة الحيلة في مشهد صادم لم يسبق لنا رؤيته، كما أن الأسواق فقدت زخمها بسبب الغلاء ومحدودية القدرة الشرائية.
وفي الوقت الذي تقوم جهات حكومية بإطلاق وعود بالتدخل لوضع الحد لآفة الغلاء، يخرج المندوب السامي للتخطيط بتصريح يدق من خلاله ناقوس الخطر ويتنبأ بمستقبل قريب صعب على المغاربة، كون غلاء الأسعار لن يكون هذه المرة مجرد موجة عابرة، بل سيظل جاثما على صدور الضعفاء خلال الشهور القادمة.
حكومة عزيز اخنوش والتي رفعت شعار الدولة الاجتماعية منذ تنصيبها تواجه انتقادات شعبية لاذعة كونها وقفت عاجزة أمام الغلاء، بل أن متحدثها الرسمي أعطى انطباعا بأن الحكومة استسلمت أمام هذه المعضلة حيث أنه أرجأ الغلاء في الأسواق إلى قضية المضاربين، وأن هذه المشكلة معقدة ولا يمكن حلها في مدة وجيزة.
في حين أن تحليل الحليمي يبدو أكثر عقلانية ومنطقا كون التضخم بالمغرب مشكل بنيوي أساسا وليس بالضرورة مرتبطا بأزمة الطاقة في العالم، وتتمثل أسبابه المحتملة في نقص الإمدادات بفعل تأثر الإنتاج لأسباب من بينها ظاهرة الجفاف وتعثر سياسات عمومية مرتبطة بالأمن الغذائي.
بدوره قرر بنك المغرب رفع سعر الفائدة الرئيسي بنسبة ثلاثة في المائة في محاولة لتطويق التضخم الذي وصل لمستويات قياسية.
وحتى القطاع البنكي قد لا تكون أحواله على ما يرام خصوصا أنه مرتبط بالنظام المصرفي العالمي الذي يعرف أزمات حادة، أدت لانهيار مؤسسات بنكية في أقوى اقتصادات العالم.
من جهة أخرى، يبدو جليا أن معاناة المواطن من وطأة الغلاء تنعكس على ثقته في المنتخبين وعدم وفائهم بالوعود الانتخابية، مما يجعل المناخ السياسي بشكل عام محل التساؤلات والشكوك، حيث يمكن أن يتفهم المواطن أزمة الغلاء كما يمكنه أن يكيف طريقة تدبيره لمصاريفه اليومية، لكن يتوقع أن تقوم الحكومة بنفس الأمر. وعلى سبيل المثال مسألة أسطول سيارات الدولة الذي يستنزف ميزانيات ضخمة من المال العام، في الوقت الذي صار مألوفا رؤية هذه السيارات تجول خارج أوقات العمل وتستعمل في الأغراض الشخصية لمن وضعت تحت عهدتهم، ناهيك عن أظرفة مالية ضخمة تستفيد منها مكاتب دراسات قد تكون غير ضرورية.
كذلك يمكن الحد من الولائم وحفلات الشاي في المؤسسات العمومية والتي تصرف من المال العام بذريعة اجتماعات وغيرها ، إضافة إلى بعض المهرجانات الضخمة بغرض الترفيه وما شابه ذلك والتي من شأنها تعزيز الإحباط وفقدان الثقة لدى المواطن البسيط.
لذلك فأزمة الغلاء يمكن استثمارها في إرساء عقد اجتماعي وسياسي بين مختلف مكونات المجتمع تكون أهم ركائزه الحكامة الجيدة والمحافظة على الثروات وترشيد النفقات، والأهم من ذلك فتح المجال أمام الطاقات الشابة والطموحة. فإذا كانت الحاجة أم الاختراع فإن الأزمات هي أصل نهضة الشعوب وتطورهم.