كلما خطرت في بالي صورة والدي تغمده الله بواسع رحمته أو تبادر إلى ذهني حضوره وسط الأسرة في مناسبات متعددة ومنها على وجه الخصوص أيام عيد الأضحى الا واستوقفتني ذكريات جيل بأكمله كيف كان يتفاعل مع هذه المناسبة بحيوية وحركية دؤوبة، مازجين ما هو عقائدي وتقليدي وأسطوري، جيل أبائنا وأمهاتنا الذين منهم من قضى نحبه رحمة الله عليه ومنهم من ينتظر معنا في الغرفة الشاسعة للانتظار في حاضرنا الذي يجسد نقطة التقاء بين من جهة ماض لم يعد متاحا، لا جدوى من تقليب مواجعه والاصرار على استرجاعه أو تحنيط ذهننا بصوره وأحداثه، لأنه
ذهب ولن يعود ليس إلا، علنا نتخفف من حمل ترسباته السميكة القيمية وأحكامه الجاهزة. ومن جهة ثانية بين مستقبل لم يصبح بعد متاحا أو قد لا يصبح كذلك. فلم يبق أمامنا من سبيل الا ان نسعد بحياتنا الحاضرة التي بين أيدينا ولنا الساعة التي نحن فيها. فلنعمل لدنيانا كأننا نعيش أبدا ولنعمل لآخرتنا كأننا نموت غدا.
هذه ليست موعظة استعلائية مستهلكة بل ومضة صادقة غمرني إحساس وسط هذه الأجواء أن أتقاسمها مع أقاربي و أصدقائي ومعارفي نروم من ذلك تكريس ملكيتنا الفكرية الجماعية المتميزة بعدم الخوف من قرصنتها أو تقليدها ، بل العكس هو الصحيح عسانا أن نوزع الأفكار والمعارف في بيئة حاضنة تتيح لنا نشر ما استطعنا ما هو مجد ومفيد ومسل وممتع . فما أحوجنا إلى ذلك أمام الضغوطات التي تحاول تركيعنا بعجلة الزمن المتسارعة والتوترات التي تصر على أن تتحول إلى قوتنا اليومي. لكن هيهات هيهات أن تنطلي علينا حيلها وترمي بنا في شراكها الشائكة فمهما يكن فلا ولن نسلم في حقنا في الحياة كما نعشق ونهوى، وزادنا في ذلك تفاؤلنا ومثابرتنا وثقتنا في أنفسنا وفي رب السماوات والأرض الذي يقوينا ويشد عضدنا.
ووسط هذه اللحظات، في بعدها الروحاني، بصفائها ونقاوتها، سلام وتحية لكل من يرغب أن يحيى مقبلا على الحياة بعيدا عن تكليس شرايينها، راض بعطاء ربه ومتفائل بقضائه وسعيد بقدره.
مقال جميل دكتور عبد الإله. سلمت يداك.