انعقد، مساء اليوم، بفضاء الحرية بالدار البيضاء، اللقاء المركزي لمبادرة المثقفين “المغاربة في محبة فلسطين” شعبا وأرضا وحضارة، على غرار ما شهدته في نفس اليوم أزيد من خمسين مدينة وقرية مغربية وفي ست دول إفريقية.
هذا وأشرف على هذه اللقاءات أدباء ومبدعون، كما حضرها عدد من المثقفين والفاعلين الثقافيين والشعراء والفنانين من مختلف الأجيال، تعبيرا أولا عن انخراطهم ومساندتهم للفعل الإبداعي الذي دعت إليه المبادرة المغربية، حيث كانت الاستجابة كثيفة وسريعة لأجل محبة فلسطين ومساندتها في مقاوماتها بكل أشكالها وألوانها حتى النصر والتحرير، وثانيا تعبيرا عن الموقف الثابت من القضية ودعوة لكل المثقفين في العالم إلى التعبير عن مواقفهم.
خلال لقاء الدار البيضاء خص جمال بندحمان (ناقد أدبي) رئيس الجلسة وعضو المبادرة، في بداية كلمته الحضور الكثيف والمتنوع بالشكر، منوها باستمرارية روح الأخوة ومشاعر الوفاء والمحبة فلسطين، داعيا جميع الحضور للترحم على أرواح فلسطين وشهداء سوريا وتركيا الذين لحقهم الزلزال خلال الأيام القليلة الماضية، مؤكدا أن دور الثقافة هو الاهتمام بقضايا مجتمعه وقضايا المجتمعات الإنسانية ومآسيها، منوها بدور المثقف الحر.
أما عبد المجيد الراضي، عن المؤسسة المحتضنة للقاء وهي مؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم عين الشق بالدار البيضاء، فقد أشاد بهذا الأفق الثقافي النبيل الذي يرتبط بالقضايا الجوهرية في راهننا العربي والكوني. فيما تحدث “سيون أسيدون”، عضو الجبهة المغربية لدعم فلسطين، عن ربط فلسطين بالنضال والثقافة والآفاق التي تمنحها للقضية الفلسطينية.
وبلغة تخاطب ببلاغاتها وحماستها العقل والوجدان الجماعي، أبرز شعيب حليفي(روائي) باسم مبادرة المثقفين المغاربة، دور وأهمية وقيمة هذا اللقاء الذي يمثل لحظة تاريخية متواصلة، تشي بالعلاقة الوشيجة بين المغاربة وفلسطين واستمراريتها، وتأكيد للوحدة الوطنية والعربية، بالانتماء إلى الأفق الفلسطين. وأضاف “ما نفعله هو جوهر وجودنا وانشغالنا وما يصون التوهج الصادق في عالم يملأه الزيف، وما شعورنا بالاعتزاز إلا لأننا نمتلك القدرة على المقاومة بالكتابة وجمالياتها وبالمواقف الواضحة واليقين الحاسم بلون الخيال والذاكرة، ففلسطين يقول شعيب حليفي، ليست بُعدا جماليا ممتدا في الزمن والتاريخ فقط، وليست معادلة لاختبار الروح والتاريخ والقيم فقط، ولكنها ضرورة وجودية للإنسانية جمعاء”.
أما إبراهيم أزوغ (ناقد أدبي)، فأشار، في كلمته، إلى أن دعوة المبادرة لقيت تفاعلا وتجاوبا واسعا ليس في المغرب فقط، الذي تنعقد فيما يزيد عن خمسين مدينة لقاءات موازية في مدنه وقراه تعبيرا عن محبة فلسطين بل كذلك في العالم العربي والإفريقي والغربي، وكان أول المتفاعلين مع المبادرة؛ المثقفون الفلسطينيون من داخل الاتحاد العالم للكتاب والأدباء الفلسطينيين، والدول الافريقية الست التي اختارت المشاركة بفعاليات شعرية وخطابية، مؤكدا، في ختام كلمته، إلى أن المبادرة توصلت بمئات الرسائل للمشاركة مسجلة بالصوت والصورة، وأخرى مكتوبة، من ألمانيا وكندا واسبانيا وفرنسا لمثقفين وأدباء وفنانين مغاربة.
هذا وقد تم الاستماع إلى كلمتين صوتيتين، الأولى للأمين العام لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر مراد السوداني، مما جاء فيها قوله أنه “منذ أسلافنا الذين زحفوا مع صلاح الدين، القائد العربي، نحو تحرير القدس، حتى اللحظة، ظل وجدان أهلنا في المغرب كما هو في كل العواصم العربية وشعوبها، التي تنحاز إلى هذه ال”فِلسطين” انحياز السماء لأرض الشهداء، ثابتين على ثابت هذه البلاد العالية الصادقة، التي ما زالت تنزف وجعها وتنوب عن الأمة في مواجهة العدو واستطالاته”، وأضاف قائلا: ” في هذه التظاهرة الشعرية التي تضم إبداعات مغربية وفلسطينية وعربية، التي تتداعى في ظرف صعب ومُرٍّ من تاريخ الأمة وتاريخ فلسطين، لتقول قولتها في تأكيد على هذا الحبل السِرِّي والسُرِّي ما بين المغرب، وعيا جماعيا، وما بين فلسطين، في توثيق خيط الذهب والمحبة في هذا الارتباط الوجداني والحضاري والتاريخي مع فلسطين، وتجسيدا لهذه الروح المُشتدَّة والمُمْتَدَّة، التي إذ تُدافع عن فلسطين إنما هي تُدافع باقتدار عن القضايا الإنسانية وعن الجمال في هذا العالم. وفلسطين قضية جماليّة وفِكْرَة سماوية عليا على هذه الأرض السماء، ندافع عن جمال فلسطين في صد ورَدِّ رياح القُبح والسَّوَادِ الاحْتِلاَلِي، الذي يُعَمِّمُ ويعمق الموت والدمار والحصار والاستيطان واستباحة البلاد في كل لحظة.. إنكم، في هذه التظاهرة الثقافية، تؤكدون أن الشعوب العربية حيّة، ترفض السكوت في اللحظة، وترفض المُمَالئَة وترفض الإلحاق والتبعية والانكسار والانتكاس والارتِكاس، لأنها تمتد في ثقافتها العميقة، مؤكدة قوّة الحياة والانحياز إليها إبداعا ومعرفة وثقافة”.
أما الكلمة الصوتية الثانية فللشاعر الفلسطيني جمعة الرفاعي، عضو الأمانة العامة للاتحاد، ومما جاء فيها قوله “إنني إذ أتحدث إليكم من فلسطين، فإنني بذلك أؤَكّد لكم بأننا سنبقى على قيد الحياة والشعر والانتصار للجماليات في جغرافيا السحر الإلهي: فلسطين، وإننا سنظل نكتب لأن من يكتب يقاوم، ومن يقاوم ينتصر، فالكتابة بالنسبة لنا هي ضرب من ضروب المقاومة وانتصار للجماليات في مواجهة الاحتلال الذي يرى في كل قبر شهيد مُجَنْزَرَة، وفي كل شجرة راجمة صواريخ.” وأضاف متحدثا “إن مبادرتكم الثمينة في محبة فلسطين، هي تعبير حقيقي، ناتجة عن إرادة حرة وتشكيل وجداني مترابط من العدالة، التي ترى فلسطين في سياقها العُروبي الممتد تاريخا، المتلاصق مع وحدة الهدف في استعادة الحق إلى أصحابه.إنني أرى في الدار البيضاء أيادي بيضاء في تطابق الاسم مع المسمى.. أيادي ممدودة، لتُقدّم بكل ما أُوتِيَتْ من سخاء وعطاء، تضامنا ومشاركة فعّالة، لما تُمَثِّلُه فلسطين في الوجدان المغربي والعربي والعالمي”.
بعد ذلك انطلقت القراءات الشعرية، والتي رافقها بالعود، الموسيقي منير الزكاني، فكانت قصائد لكل من أحمد هناوي وإدريس الملياني ومحمد عرش والطاهرة حجازي ونور الدين حنيف وتوفيق السعدية وعبد العلي دمياني وكريمة دلياس وتوفيقي بلعيد وعبد العزيز الحجوي.
واختتم اللقاء بقراءة نداء المبادرة الثقافية المغربية إلى المثقفين العرب وإلى المثقفين في العالم من أجل فلسطين، تلاه إبراهيم أزوغ ، وهذا نصه:
انطلاقا من مسؤولياتهم التاريخية والحضارية والحقوقية والثقافية،بادر مثقفون مغاربة من أجيال مختلفة، وبمرجعيات متعددة إلى تنطيم لقاءات في يوم واحد (السبت 11 فبراير/شباط 2023) موضوعها في محبة فلسطين، شعبا وأرضا وحضارة.
نظمت اللقاءات بأكثر من 50 مدينة مغربية،و6دول إفريقية،وبعض العواصم الأوربية،وإذ يثمن المثقفون المبادرون إلى عقد هذه اللقاءات الروح الإيجابية، والاستجابة الواسعة لها من قبل المثقفين من المغرب وفلسطين وإفريقيا وبعض الدول الأوروبية، فإنهم يتوجهون بهذا النداء إلى عموم المثقفين العرب،وعيا منهم بالأدوار التأطيرية والترافعية التي تقع على عاتق المثقفين، وأهمية قيامهم بمهامهم في التوعية والتوجيه والتنبيه والانتقاد وتثمين ما يمكن تثمينه؛
– وتذكيرا منهم بأن الثقافة العربية التنويرية كانت دوما متبنية للمشروع النهضوي الديمقراطي الإنساني الحضاري القائم على قواعد وقيم حقوق الإنسان والتسامح والسلام والمساواة والحريات والشراكة والعدالة والتنمية المستدامة للجميع،والدفاع عن الحقوق الفردية والجماعية، وأن دورها اليوم أكبر في جعل القضايا الكبرى للأمة أولويات ضرورية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ليس لأنها قضية احتلال واغتصاب لجزء منها فقط، وليس ،كذلك ،لأنها قضية إنسانية وأخلاقية، ولكن لأن هذه القضية نشأت أصلا من أجل الإطاحة بالأمة، وإفقادها إمكانات نهوضها الإنساني والحضاري والثقافي؛
– وتأكيدا منهم على أن الموقف الثقافي الموحد من القضية الفلسطينية يشكل الرافعة الأساسية للدفاع عن حق شعب تعرض،ويتعرض لظلم كبير، وتآمر بالصمت والتجاوز،ومحو الذاكرة وتشويهها، وتحريف التاريخ، وطمس الجغرافيا؛ مما يستوجب التصدي له من فبل الثقافة والمثقفين بمشروع ثقافي مضاد يقوم على:
– جعل الحق الفلسطيني شغلا ثقافيا يوميا،ينبغي استحضاره في كل الأشكال التعبيرية والفنية،والملتقيات الوطنية والدولية،وجعله قضية مركزية في اهتمامات الجمعيات والمنظمات الثقافية العربية؛
– استثمار الأيام الدولية ذات الصلة بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية للتذكير بالحق المغتصب،والمسؤوليات التي تقع على عاتق المؤسسات الثقافية والمنظمات الدولية العاملة في المجال الحقوقي بأجياله المختلفة؛
– خلق إطار ثقافي عربي يستجمع جهود المثقفين العرب المتشبثين بالدفاع عن الحق الفلسطيني، وينسق مبادراتهم، ويعرف بها؛
– المرافعة أمام المنظمات الدولية ذات الشأن بالثقافة،ومايرتبط بها من التزامات وحقوق.